سيرة حياة ابونا فلتاؤس السرياني في عيد نياحته 17 مارس

الحق والضلال

خاص لموقع الحق والضلال

كتبت: نورهان عبدالله

نشرت الصفحة الخاصة لابونا داود لمعي السيرة الذاتية لابونا "فلتاؤس السرياني" وذلك احتفالاً بعيد نياحته ، جاءت السيرة الذاتية من كتاب " ينبوع الفضائل" فيقول الكتاب:"

ولد ابونا فلتاؤس فى 1\4\1992م باسم كامل جرجس ايوب فى شارع بحر مويس " قسم الصيادين" بمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية.
و تربى فى اسرة تقية كانت تسلك " فى جميع وصايا الرب و احكامه بلا لوم (لو 1: 6)"، و بالطبع سلوك الاسرة انعكس تلقائيا على صاحب هذه السيرة فالتصق بالكنيسة و حفظ المزامير و الالحان الكنسية ، و كان نابغا و يتمتع بذكاء شديد ،و هذا ساعده على حفظ المزامير و الالحان فى وقت وجيز جدا ،عاش بين افراد اسرته بالمحبة للجميع، على الرغم من انه كان اصغرهم الا انه بمحبته كانوا يعتبرونه اكبرهم، كان له العطاء المبكر فى كل شئ واضعا امامه الاية "مغبوط هو العطاء اكثر من الاخذ(اع 20 :35) ".

كان انسانا حازما و جادا ، له جهاده الروحى و خدمته الروحية منذ صغر سنه و كان مثالا للشباب العفيف شاهدا لله فى كل تصرفاته و تعاملاته.
كان نشيطا ممتلئا حماسا روحيا ، ملتزما بقانونه الروحى منذ شبابه المبكر، اعتاد ان يصوم اصوام الكنيسة بنسك شديد، و كل قراءاته كانت من الكتاب المقدس و اقوال الاباء و سير القديسين ، و عشق الصلاة و التسبيح حبا فى مناجاة حبيبه و مخلصه ربنا يسوع المسيح له المجد.

هذا الجو الروحى و هذه القيم و المبادئ الروحية كان لها اثرها العميق، اذ حركت فى داخله فكرة الرهبنة ، و تأججت مشاعره للسعى خلف الحبيب فوضع امامه طريق الرهينة و ترك العالم و اتجه الى الدير ، على الرغم مما تعرض له من معطلات اسرية ، و عطف الاب و مشاعر الاخوات ،الا انه اصر بشدة على السلوك فى الطريق، و اصراره هذا كان موضع خلاف مع الاب ،الا انه باصراره هذا و عن غير قصد منه ، كان يظر يد الله الخفية، التى كانت ترسم له طريق حياته. و بهذا اظهر انه مفرز قبل ولادته و مختار من بطن امه لهذه الحياة "قبلما صورتك فى البطن عرفتك و قبلما خرجت من الرحم قدستك(ار 1 :5)".

فى ذلك الوقت عبق اريج رائحة المسيح الزكية ، التى كانت فى القمص مينا البراموسى -البابا كيرلس السادس- كل ارجاء القطر المصرى ، فذهب اليه الشاب كامل جرجس مدفوعا بالنعمة الالهية، فقابله القمص مينا بشفافية مقودا من الروح القدس ، و عضده بالنصائح و الارشادات الروحية و تنبأ له بانه سيصبح من رجال الله.

اجتهد الشاب كامل فى دراسته و انهاها بنجاح و تفوق ، و ايضا انهى موقفه من التجنيد ، و التحق للعمل بالجيش الانجليزى، فكان يتحدث الانجليزية بطلاقة و كان يتقاضى راتبا كبيرا، فكان يعطى معظمه للفقراء و المساكين و الباقى لوالده و اخوته.

توالت بعض الاحداث المؤلمة على اسرته، و لكنه ظل صامدا امامها بل و زادته عزيمة و اصرارا على السير فى طريق الرهبنة ، قائلا فى قلبه "من سيفصلنا عن محبه المسيح؟ اشدة ام ضيق ام اضطهاد ام جوع ام عرى ام خطر ام سيف . و لكننا فى هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذى احبنا (رو 8 :35-38).

و اتت الساعة التى صارح كامل والده برغبته و مشاعره و اشتياقاته، و لكن انتهى النقاش دون ان يصلا الى قرار. و بعد موافقة اب اعترافه و ايضا القمص مينا السريانى، توجه الى مقابلة الانبا ثاؤفيلس رئيس دير السريان و كان مشهودا له بالحكمة و الافراز. فاستقبل الشاب كامل و نصحه و زوده ببعض المبادئ الرهبانية ، و بعد ثلاث شهور و بتزكية اباء مجمع الدير قام بسيامة الشاب كامل جرجس راهبا باسم الرهب "فلتاؤس السريانى" فى يوم 2\11\1948م.

و بدأ حياته الرهبانية و كله اشواق نسكية و قلب ملتهبا نارا نحو الجهاد و حياة القداسة واضعا امامة مبدأ التجرد و الحرارة الروحية. فكانت له جهادات و نسكيات شديدة "من صوم - صلاة - ميطانيات - تسبيح" كل هذه الجهادات النسكية جعلت الذين عاصروه قالوا لم نر مثل هذا الاب انه حقا عملاق بل جبار بأس فى جهاداته الروحية.
لما رأى الانبا ثاؤفيلس "رئيس الدير" فيه امانته وجهاده الروحى وثباته و خدمته المتفانية للدير، قام نيافته بمنحة نعمة الكهنوت، ثم بعد فترة اخرى قام ايضا بترقيته الى رتبة القمصية.

و لهذه النعم الروحية العظيمة حاربته الشياطين، فقد كان كرجل حرب فى الجهاد لمواجهة حروب الشياطين، فكان ينتصر عليهم بنسكه الشديد، من مسكن متضع منعزل بالحصن، و نوم على الارض مفترشا حصيرة، و بالكاد كان يجد طعامه، بل كانت تأتى عليه اوقات لا يجد فيها سوى الخبز اليابس، و كان يصوم الى المساء محافظا على صلواته و قانونه الروحى. فخرج من كل هذا غالبا متمتعا بحياة الصلاة الدائمة، التى كانت تشعره بالوجود الدائم فى الحضرة الالهية، و تمتعه بنقاوة القلب التى اهلته لمعاشرة الاباء السواح والقديسين، فكان كثير الحديث عنهم و عن معاشرتهم له، و يطيل الحديث بالساعات دون ملل او كلل، بل بكل نشاط و قلب ملتهب، لانه كان يتحدث عن عجائب الله فى قديسيه، و هذا ما كان يفرح قلبه و يفيض على وجهه كل بشاشة وفرح.

له فضائل كثيرة، من اعمال المحبة التى لمسناها جميعا، و اتضاعه الشديد، و انكاره لذاته، متسامحا مع الجميع غافرا للمسيئين اليه، و كان يتمتع ببساطة شديدة مع عمق روحى ، و كان عفيفا طاهرا.و لذلك كرمه الله باجراء العديد من العجائب و المعجزات على يديه الطاهرتين، و الجميع يشهد بذلك، ولا عجب فى هذا الان لان ابانا القمص فلتاؤس كان يرجع المجد الى الله على الدوام، و كانت الشياطين ترتعب منه، و كم من المرضى شفاهم، و كم من المتعبين اراحهم، وقد تمتع ابونا بالشفافية الروحية، فقد كان الله يكشف له الكثير من الامور التى لا يعرفها احد.

و لهذا فقد احبه البابا كيرلس السادس، فانتدبه كأول راهب لتعمير دير مارمينا، فى بداية اعادة الحياة الرهبانية اليه على يد قداسته، فاطاعة ابونا فلتاؤس و قام بتعمير الدير رهبانيا و معماريا، بكل جدية و كل بذل و تضحية، ثم عاد الى دير السريان. و من محبة و ثقة نيافة الانبا ثاؤفيلس"رئيس الدير" فى ابينا القمص فلتاؤس، ان نيافته انتدبه الى مقر الدير "العزباوية" بالقاهرة، فاطاعه و خدم هناك لمدة تزيد عن الاربع سنوات، و كان ذلك منذ عام 1971م الى عام 1975م، ثم عاد الى دير السريان ايضا. وسكن فى قلايته المنفردة التى بناها له ابونا انطونيوس السريانى "قداسة البابا شنودة الثالث" عام 1962م، و هى القلاية التى عاش فيها ابونا القمص فلتاؤس و شاهدت جهاداته الى يوم انتقاله الى السماء.

و ايضا من محبة مجمع رهبان الدير لابينا القمص فلتاؤس، فقد اقام له الدير احتفالين، الاحتفال الاول كان يوم السبت 7\11\1998م و قد اقيم داخل اسوار الدير الاثرى، و حضره قداسة البابا شنودة الثالث شخصيا، و حضر معه ايضا تسعة من احبار الكنيسة الاجلاء، و مجمع رهبان دير السريان و بعض الاباء الرهبان من مجامع اخرى، و ذلك بمناسبة اليوبيل الذهبى لرهبنة قدسة " اى مرور خمسين عاما على رهبنته المباركة".

و الاحتفال الثانى كان يوم الاحد الموافق 28\11\2008م ، و كان احتفالا رهبانيا هادئا بمناسبة مرور ستين عاما على رهبنة القمص فلتاؤس السريانى ، و حضره بعض الاباء الاساقفة رؤساء الاديرة، مجمع رهبان دير السريان و العديد من رهبان الاديرة الاخرى.

وقد كللته السماء باستحقاق لبس الاسكيم الرهبانى الكبير، باليد الرسولية لابينا قداسة البابا شنودة الثالث ال117 كأول راهب اسكيمى فى عصرنا الحالى، و ذلك يوم 29\3\2003م.

و بعد رحلة الجهاد القاسى مع النفس، فى سبيل الحياة الابدية، بلا تهاون او هوادة اطلاقا، سمح الله لابينا القمص فلتاؤس السريانى ان يحمل صليب المرض، فاحتمل كل ما اتى عليه بشكر و بلا تذمر، الى ان انطلقت روحه الجبارة وسط تسبيحات السمائيين فى فجر يوم 17\3\2010م مع دقات جرس تسبحة نصف الليل، مصحوبة بتسبيحات ابنائه فى دير السريان، لكى يتكلل بالمجد فى سماء مجد الله، عن كل اتعابه و جهاداته، تاركا ارض الشقاء و التعب و الغربة، مستقرا فى ارض البقاء و الراحة الابدية.

          
تم نسخ الرابط