عادل حبارة.. طفل غاضب معلق على «حبل المشنقة».. الخلافات الأسرية سر «لعنة التطرف»

كتبت: أميمة سعيد البداية كانت من خلف جدران بيت لا يخلو من الأزمات الأسرية، ونهايته بين جدران غرفة الإعدام، وهو المنظر الأخير الذي تراه عيناه، وما بين البداية تلك، والنهاية هذه، سنوات طويلة، لا يمكن تجاهلها حال البحث عن الأسباب والدوافع والظروف، وكل المصطلحات التي يمكن اللجوء إليها لوصف حياة الإرهابى عادل نجيب إبراهيم حبارة الأحرازى المعروف بــ"عادل حبارة" المتهم الرئيسى في واقعة اغتيال الجنود في الحادثة المعروفة إعلاميا بــــ" مذبحة رفح الثانية".
الأب الغائب
بيت غير مستقر، الأب دائم الغياب عن الأسرة، وإن صادف وكان متاحا لأن يكون بين أبنائه فإنه وجوده هذا يكون محملا بمشكلات وخلافات ومشادات مع الأم، الابن "عادل" ظل سنوات مشاهدا للأمر، يتابع طفل الأزمة يكبر بين أبيه وأمه، تحبو الأزمة، وسرعان ما تقف على قدميها، لتمر سنوات، يصل خلالها "طفل الأزمة" لمرحلة النضوج، وهى مرحلة كانت تقف على أعتاب غرفة الصغير، الذي بدأ يتخلى عن دور المشاهد، بدأ يبحث عن "منفذ" آخر غير البيت، متنفس لرغباته وأزماته أيضا. رحلة بحث "عادل" عن بديل آمن لـ"البيت الغاضب" لم تكن طويلة، فسرعان ما وجد الشاب الشرقاوى، ابن قرية الأحواز التابعة لمركز أبو كبير، ضالته في مجموعة من "أصحاب اللحى" شباب من السلفيين. ما كان يفعله الأب، بدأ الابن في انتهاجه، لكنه لم يوجه غضبه لـ"أم كسيرة"، فسرعان ما اشتبك مع أحد المرشدين التابعين لجهاز أمن الدولة – وقتها- الأمر الذي جعله يحل ضيفا على عالم أكثر تشددا وعنفا في آن معا، حيث صدر ضده حكم بالسجن لمدة عام على إثر هذه الواقعة وتم التنفيذ. الإعدادية هي المرحلة الفاصلة، ليس تعليميا فقط في حياة "حبارة"، لكن يمكن القول إنها بمثابة النقطة التي وضعها الطفل الغاضب من تصرفات أبيه، وتفكك أسرته لسطر الحكاية، ليبدأ سطرا جديدا، أكثر عنفا وتشددا، كان هو الفاعل فيه، بعدما تمرد – بفعل الظروف- على البقاء في خانة "المفعول به". هذا ما أكده (محمد – ع ) أحد أهالي قرية "حبارة"، والذي قال أيضا: عادل ترك منزله وهو في المرحلة الإعدادية بسبب ما يٌعانيه بمنزله مع أهله وذهب إلى المدينة، وكان يعمل ليستطيع الأكل والشرب، ولكنه لم يتحمل ذلك فعاد إلى منزله مره أخرى ومكث مع عائلته حتى حصل على شهادة الدبلوم الفني الصناعي، وترك المنزل مرة أخرى وعمل بمدينة أبوكبير، وكنت في هذا الوقت قد التقيه على فترات، حيث إنني لم أكن أستطع الذهاب إلى المدينة باستمرار، وفي إحدى المرات تقابلت معه، وأخبرنى أنه أصبح لديه أصدقاء بالمدينة ممن ينتمون للجماعة السلفية، وأنه يذهب معهم إلى مدينة المنصورة لتلقي دروس دينية. "محمد" يكمل سيرته مع "حبارة" الطفل الذي شب عن الطوق، وأصبح واحدا من رموز "الدم" في المحروسة، ويقول: لم أصدق نفسي أن عادل الذي كان لا يهتم بأي شيء ولا حتى دراسته أصبح يحضر دروسا دينية باستمرار، وبعد انضمامه لهؤلاء الشباب أصبحت لا أراه كثيرا حتى افتتح مطعم صغير بمنطقة أولاد فضل بمدينة أبوكبير يبيع به سندوتشات فول وجبنة وبطاطس وغيرها، ثُم عقب ذلك عمل بمجل جزاره.
زواج الضحية
الزواج، نقطة فاصلة أيضا في تاريخ "الشاب المتهور"، فبعد الانضمام للجماعات المتشددة، فاجأ "عادل" الجميع بنبأ زواجه، وفقا لرواية صديق شبابه، الذي قال: استغربنا كثيرا في القرية عندما علمنا أن عادل سيتزوج من فتاة يدها مبتورة، وعندما سألت شقيقه أخبرني أنه في أحد الأيام عندما كان عادل ذاهبا بالقطار إلى مدينة المنصورة لحضور درس ديني، كانت الفتاة – التي أصبحت زوجته فيما بعد- في طريقها إلى جامعة المنصورة، وأثناء انتظار القطار، ونظرا للأعداد الكبيرة المتواجدة على الرصيف، وبفعل الازدحام انزلقت قدمها وسقطت على القضبان، وما هي إلا ثوان عدة وكان القطار قد نفذ قضاءه وأصبحت صاحبة "يد مبتورة"، وفي هذا الوقت كان "عادل" يقف بجوارها ولم يحاول إنقاذها لأنه يرى أن لمس الأنثى غير المحللة له حرام، ولكنه عقب ذلك ندم على عدم إمساكه بها وإنقاذها قبل أن تأتي يدها أسفل عجلات القطار، فقام بالبحث عن عائلتها وتقدم إليها طالبا يدها وتمت خطبتهما. "يرفض السير في الطريق المعتاد" نتيجة ثانية ألقى بها "محمد" في طريق حديثنا، حيث قال: عادل كانت شخصيته في تغير تام والناس في الشارع الذي يعمل به كانوا يتحدثون عنه كثيرًا، ويقولون إنه أصبح يتحدث في الدين ويٌحرم كل شيء حتى إنه إذا سمع أحد يشغل أغانى يٌجبره على إغلاقها، لهذا واجه مشكلات كثيرة مع الأهالي الذين لم يكونوا يلقون له بالًا. صديق "حبارة"، توقف قليلا عن الحديث، مسترجعا ذكريات مرت عليها سنوات عدة، عقله وقف أمام لحظة التغيير في حياة صديقه لحظة "فرض القوة"، والإعلان عن "قانون حبارة"، تلك اللحظة التي روى تفاصيلها قائلا: الشرارة الأولى لزيادة نفوذ وسيطرة عادل على الأهالي وإرهابهم كانت عندما استعان بشباب من المنصورة ممن يأخذ معهم دروس دينية سلفية، لكي يساعدونه في ضرب جيرانه بالقرية لتعديهم على والدته وشقيقه، وبالفعل قام عادل وبمساعدة زملائه بضرب جيرانه وتهديدهم بالأسلحة، وهو ما جعل الأهالي أصبحوا يهربون ويخافون منه، خاصة أنه منذ هذه الواقعة وهو لا يسير سوى بالسلاح لتأمين نفسه.
كبير المنطقة
(ع. ح) الذي كان حاضرا لحظات استرجاع صديق "حبارة" لسنواتهما معا، التقط طرف الحديث وأكمل بقوله: عادل من أفعاله جذب عيون المباحث وأمن الدولة، فأفعاله كانت على الملأ ولا يخشى أحدا، حتى إنه كان بمساعدة الشيوخ بمنطقة أولاد فضل بمدينة أبوكبير يمسكون الشباب ممن يبيعون المخدرات أو يتعاطونها ويضربونهم ويأخذون منهم المخدرات ويحرقونها وسط الشارع، ويتوعدون من يمسكونه وبحوزته أي مواد مخدرة أو يشغل أغاني، وأصبح "حبارة" هو المسيطر والمتحكم بالمنطقة، وهذا ما لم يعجب المباحث وأمن الدولة. الخلاف مع الأجهزة الأمنية أمر كان لابد منه، وهو ما رواه "ع. ح" قائلا: بداية الاشتباك بين حبارة وجهازى أمن الدولة والمباحث عندما كان يتعقب حركاته أحد أمناء الشرطة بأمن الدولة بأبوكبير وهو "على أمين" وفي إحدى المرات اشتبك معه "حبارة"، وأصابه في وجهه، وقبل أن يتم إلقاء القبض عليه هرب من القرية واتجه إلى ليبيا، فما كان من أجهزة الأمن وقتها إلا إلقاء القبض على شقيقه واصطحابه إلى أمن الدولة لحين القبض على عادل حبارة وقاموا بتهديد زوجته أنهم سيقومون بحبسها مكان زوجها، وهذا ما أجبر عادل على العودة إلى مصر، وسلم نفسه إلى أمن الدولة وتم الحكم عليه بالحبس عامًا لتعديه على شرطي، ومن هنا اعتنق حبارة الفكر التكفيري وكان هذا عام 2010 قبل ثورة يناير بعدة أشهر.
جريمة على أبواب المسجد
(ع. ح) الذي يبدو أنه يمتلك حكايات عدة عن "تاريخ حبارة"، قال أيضا: "عادل كان محبوسا مع شيوخ ممن يعتنقون الفكر الجهادي ويقومون بتنفيذ عمليات إرهابية، ويحللون الدم ويكفرون الحكومة، وفي ثورة يناير عندما فُتحت السجون هرب مع غيره من المساجين رغم أنه كان باقي له أسابيع معدودة لإنهاء فترة حبسه، واكتشفنا بعد خروجه أن تحول إلى شخص آخر أصبح يكفر كل شيء، حتى إنه كان يقول لمن حوله لا يستخرج أحد أي بطاقة من هذه الحكومة لأنه لا يجوز التعاون معها فهم كفره يجب قتلهم، كما كان يصدر أحكام بكفر الكثير من الأهالي ويرهبهم بالأسلحة، وفي أحد الأيام قام بقتل أمين شرطة يٌدعي " ربيع " لأنه طلب منه أن يري بطاقته، حيث قام بقتله أمام المسجد بمدينة أبوكبير، وعقب هذه الواقعة هرب إلى سيناء وانضم إلى زملائه من التكفيريين ولم يره أحد، وكان يأتي كل فترة ليري عائلته ويذهب، حتى تم القبض عليه في عام 2014 بتهمة اغتياله للجنود بموقعة رفح الثانية كما علمنا أنه كان يُشارك في العديد من العمليات الإرهابية في سيناء.



هذا الخبر منقول من : موقع فيتو