النظام الخاص لجماعة الاخوان المسلمين
تأسست جماعة الإخوان المسلمين على يد مرشدها الأول حسن البنا سنة 1928، استجابة لبيئة إقليمية ودولية وتلاقى مجموعة من الشروط الموضوعية أدت إلى الدفع بخروج جماعة الإخوان المسلمين إلى الوجود. ولعل أهمها أنها جاءت كردة فعل لسقوط الخلافة العثمانية فى تركيا سنة 1924 على يد مصطفى كمال أتاتورك، مما شكل صدمة للشعور الجماعى للأمة الإسلامية التى اعتادت على وجود دولة الخلافة رغم استقلالية أغلب الدول الإسلامية على مركز القرار بالآستانة.
غير أن فكرة الخلافة لم تراود حسن البنا لوحده، فقد سبقه إلى ذلك مجموعة من الشخصيات والزعماء حينما أراد الملك فؤاد أن يستغل ثقل الأزهر الدينى والعالمى لفرض نفسه كخليفة للمسلمين، كما حاول الملك عبد العزيز بن سعود أن يجمع التأييد حول هذا المنصب إلا أنه اصطدم بمقاومة قوية من طرف الملك فؤاد (يمكن الرجوع إلى كتاب حافظ وهبة 50 سنة فى جزيرة العرب)، كما أن هذا المنصب أسال لعاب أمير الأفغان هو أيضا والذى رأى نفسه أهلا لهذا المنصب، وكذا الشريف الحسين بن على وحفيد عبد القادر الجزائرى.
وفى هذا السياق، دعت مصر إلى عقد مؤتمر لتحديد الخليفة الجديد للأمة الإسلامية بتاريخ 13 أبريل سنة 1926 غير أن عقد هذا المؤتمر انفرط دون تحديد خليفة جديد للمسلمين.
ظلت هذه الفكرة وهذا الحلم يراود حسن البنا إلى غاية سنة 1928 حين أعلن عن تنظيم أسماه جماعة الإخوان المسلمين بعد قولته الشهيرة مع ستة من المؤسسين حين قال لهم: نحن إخوان ونحن مسلمون إذن فنحن الإخوان المسلمون.
أطلق الإخوان على مرشدهم لقب “الإمام” وقد جاء الإعلان عن هذه الجماعة كمقدمة بتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية:
– محاولة استعادة الخلافة
– مواجهة التحديث أو التغريب
– التأكيد على أن ثمة طريق للخلاص من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والهوياتية يتمثل فى التمظهر بالالتزام الدينى والأخلاقي.
فى هذا السياق أكد عبد الحق الصنايبى الباحث فى شئون الجماعات الإسلامية أنه فى منتصف الثلاثينات لعبت مجموعة من الظروف المرتبطة بالوضع الداخلى والإقليمى إلى موجة من “العسكرة” التى ستعرفها القوى السياسية من خلال الإسراع بتكوين أجنحة عسكرية، وقد ساعد على ذلك ما وقع فى مارس سنة 1936 حين عقد حزب الوفد بزعامة مصطفى النحاس باشا المعاهدة الشهيرة مع الانجليز وكان ذلك إيذانا بانطلاق العمليات العسكرية التى تبنتها الأحزاب السياسية بمختلف أطيافها ضد الاحتلال الانجليزى.
ولقد كان حسن البنا من بين المتحمسين لفكرة الجناح العسكرى انطلاقا من فهمه الخاص للدعوة الإسلامية على اعتبار أن الإسلام “عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف”. ومن هنا جاء شعار الإخوان عبارة عن مصحف وسيفين تتخللهما كلمة “وأعدوا”.
هذا الحماس للعنف أصبح عقيدة سياسية عند الإخوان، يبدو أن حسن البنا شربه وتجرعه من والده عبدالرحمن البنا الساعاتى. هذا الأخير كتب فى أول أعداد مجلة الإخوان النذير محرم 1357 هجرية الموافق لشهر مارس من سنة 1938: استعدوا يا جنود وليأخذ كل منكم أهبته ويعد سلاحه ولا يلتفت منكم أحد، امضوا إلى حيث تؤمرون ، ثم يضيف كيف ننقذ الأمة بدواء الإخوان، قائلاً: اعكفوا على إعداد الدواء فى صيدليتكم، ولتقم على إعطائه فرقة الإنقاذ منكم، فإذا الأمة أبت، فأوثقوا يديها بالقيود وأثقلوا ظهرها بالحديد وجرعوها الدواء بالقوة، وإن وجدتم فى جسمها عضواً خبيثاً فاقطعوه أو سرطاناً خطيراً فأزيلوه، استعدوا يا جنود، فكثير من أبناء هذا الشعب فى آذانهم وقر وفى عيونهم عمى .
ومن الأب إلى الابن حسن البنا الذى يقول فى مذكرات الدعوة والداعية : إن من يشق عصا الجمع فاضربوه بالسيف كائناً من كان ! وبالطبع يتعجّب البنا من ميوعة البعض ممن يردّدون كلمة الديمقراطية البغيضة التى يستعملونها الآن كمصعد سوف يتم تفجيره بعد أن يؤدى مهمته فى الصعود بهم، يتهكم عليهم، قائلاً: إننا قد تأثرنا إلى حد كبير بالنظم المائعة التى يسترونها بألفاظ الديمقراطية والحرية الشخصية .
ويقول حسن البنا فى مجلة النذير سنة 1939: وما كانت القوة إلا كالدواء المر الذى تحمل عليه الإنسانية العابثة المتهالكة حملاً ليرد جماحها ويكسر جبروتها وطغيانها .
وبهذا الشعار أعلن الإخوان المسلمون عن توجههم السياسى والدينى فى مواجهة باقى القوى السياسية وكذا الدولة المصرية فيما بعد رغم التقية السياسية التى كانت تظهرها لكل من الملك فؤاد ووريثه على العرش الملك فاروق، يقول حسن البنا “درجات القوى، قوة العقيدة والإيمان ويلى ذلك قوة الوحدة والارتباط ثم بعدها قوة الساعد والسلاح” (رسائل حسن البنا)، ويضيف فى موضع آخر من نفس الرسائل “إن الإخوان سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدى غيرها وسيكونون شرفاء صرحاء وسينذرون أولا”.
وأضاف عبد الحق الصنايبى أنه فى سياقات الصراع الطويل حول السلطة، بدأ حسن البنا فى إنشاء ما أسماه بـ “نظام الجوالة”، وهى عبارة عن اختراق للحركة الكشفية عبر تجنيد شباب الإخوان وانضمامهم إليها والتى ستكون بمثابة المفرخة التى ستنتج وحدات من خيرة الأفراد انضباطا والتزاما ومن ثم انبثق النظام الخاص أو الجهاز السرى.
وقد قام الأتباع بمبايعة إمامهم حسن البنا بيعة كاملة فى المنشط والمكره، وعاهدوه على السمع والطاعة، ولم يكن حسن البنا يخفى ذلك على الناس، فهو لم يكن يقبل منهم بأقل من السمع والطاعة، دون نقاش.
وفى هذا يقول حسن البنا فى رسالة “التعاليم”: “يجب على الأخ أن يعد نفسه إعداداً تاماً ليلبى أمر القائد فى أية ناحية، إن الدعوة تتطلب منا أن نكون جنوداً طائعين بقيادة موحدة، لنا عليها الاستماع للنصيحة، ولها علينا الطاعة، كل الطاعة فى المنشط والمكره وأيضاً “يتعين على العضو الثقة بالقائد والإخلاص والسمع والطاعة فى العسر واليسر”.
ويتابع عمر التلمسانى المرشد الثالث لجماعة الإخوان المسلمين فى تقديم هذا الوصف بشكل أكثر عبودية حين يقول “كن بين يدى مرشدك كالميت بين يدى مغسله”.
وفى كتابه “حقيقة التنظيم الخاص”، يقول محمود الصباغ حول النظام الخاص: “وهو تنظيم سرى عسكرى خصص لأعمال الجهاد فى سبيل الإسلام، كما عرف منتصر الزيات، محامى الجماعات الإسلامية والإخوان المسلمين، التنظيم الخاص على أنه هذا التنظيم كان يدير جماعة الإخوان المسلمين فى ذلك الوقت بطريقة سرية، يعنى هذا التنظيم السرى الذى كان يقوم بمهام خاصة، مهام لا تستطيع الجماعة أن تتبناها علنا، لكن من الممكن أن تمارسها سرا”.
وأطلق الإخوان على ميليشياتهم اسم “ذوى القمصان السوداء”، فى حين أطلق أحمد حسين زعيم “مصر الفتاة” على ميليشياته اسم القمصان الخضر مقلدا بذلك النازية.
فى منتصف الأربعينيات أنهى حسن البنا العمل بفرق الجوالة وأنشأ النظام الخاص وجعل على رأسه عبد الرحمن السندى، وقد كشف أحمد عادل كمال وهو من مؤسسى النظام الخاص فى كتابه “النقط فوق الحروف” على طرق التدريب فى جبال المقطم وعلى التنسيق والترتيب مع مفتى فلسطين أنه فى حالة إلقاء القبض عليهم فإنهم كانوا يدعون أنهم ينتمون إلى كتائب الفدائيين بفلسطين وبذلك نجحوا فى استغفال الدولة المصرية ومراوغتها ولو إلى حين.
ظل يشرف على تدريب كتائب النظام الخاص الضابط السابق بالجيش المصرى برتبة صاغ محمود لبيب، الذى لعب دورا محوريا فى تكوين خلايا سرية داخل الجيش ستعرف فيما بعد بـ “تنظيم الإخوان داخل الجيش” والذى سيكون الخلية الأولى لتنظيم الضباط الأحرار.
وعرف النظام الخاص بعد ذلك تنظيما عنقوديا على أساس الخلايا والمجموعات. حيث كل خلية تتكون من خمسة أشخاص ويرأسها عضو لا يتصل إلا بهم ولكل عشرة من رؤساء الخلايا مجموعة يرأسها عضو لا يتصل إلا بهم وهذه المجموعة لها مسئول آخر بمعنى أن هذا النظام يتدرج هرميا، حتى يصل إلى الرئيس الفعلى للجهاز المجهول من خلاياه.
وحيث إن الحرب هى امتداد للسياسة بأشكال عنيفة، سيعمل الإخوان على إطلاق يد النظام الخاص للتخلص من أشرس معارضيهم السياسيين، وستكون أول عملية نوعية للنظام الخاص هى اغتيال رئيس الوزراء أحمر ماهر باشا بتاريخ 24 فبراير 1945، على يد محام مبتدئ يدعى محمود العيسوى بمقر البرلمان المصري. ورغم محاولة إنكار الإخوان المسلمين لحادثة الاغتيال إلا أن كتابة مذكرات قيادات الإخوان المسلمين سوف تميط اللثام على هذه الجريمة التى اعتبرت أول جريمة سياسية فى تاريخ الحياة السياسية فى مصر.
خاصة إذا علمنا أن اغتيال المعارضين السياسيين هو من صميم الاعتقاد الدينى للإخوان المسلمين، وفى هذا الصدد يقول محمود الصباغ فى نفس الكتاب (حقيقة التنظيم الخاص) ص 429: “إن
أعضاء الجهاز يمتلكون -دون إذن من أحد- الحق فى اغتيال من يشاءون من خصومهم السياسيين، فكلهم قارئى لسنة رسول الله فى إباحة اغتيال أعداء الله”.
لن تقف جرائم النظام الخاص عند حادثة اغتيال أحمد ماهر باشا، بل ستتعداها لمجموعة من حوادث الاغتيال التى سيذهب ضحيتها كل من القاضى أحمد بك الخازندار (22 مارس 1948) والتى أقر بارتكابها الإخوان المسلمون، ثم سيأتى الدور على رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى باشا (28 ديسمبر 1948). وغيرها من الجرائم.
ومهما حاولنا تفسير حوادث الاغتيال التى كان ضحيتها خصوم سياسيون للإخوان وإيجاد مبررات للصراع فإننا لن نستطيع فهم طبيعة ردود الفعل العنيفة لهذا التنظيم إلا فى المرجعية الفكرية المتطرفة لمؤسس الجماعة حسن البنا والمرشدين العامين الذين سيتعاقبون بعد ذلك على الجماعة.
وهنا تحضرنى كلمات المرشد المستشار مأمون الهضيبى حين قال: “نحن نتعبد لله بأعمال النظام الخاص للإخوان المسلمين قبل الثورة”.
كان ذلك فى شتاء 1992 فى المناظرة التى جرت فى معرض الكتاب بينه وبين الدكتور فرج فودة تحت عنوان “مصر بين الدولة المدنية والدولة الدينية”، وكان حاضرا الشيخ محمد الغزالى والدكتور محمد عمارة، ووقتها ضجت القاعة بالتهليل والتكبير والتصفيق، مما يدل على أن عمليات ومحاولات الاغتيال التى كان يقوم بها النظام الخاص كانت تعتبر من قبيل الواجب الدينى والجهاد الشرعى الذى كانت تقوم به الجماعة ضد المخالفين الكفار والمرتدين.
نقاط هامة عن الجناح العسكري للإخوان
اغتيال النقراشى وأحمد ماهر باشا أبرز جرائم الجناح الخاص
النظام الخاص تنظيم عنقودى مكون على أساس الخلايا والمجموعات ويتدرج هرميا حتى يصل إلى الرئيس الفعلى للجهاز المجهول من خلاياه
حسن البنا كان أشد المتحمسين لفكرة الجناح العسكرى
الحماس للعنف والذى أصبح عقيدة سياسية عند الإخوان شربه المرشد الأول وتجرعه من والده
البنا قال فى مذكرات الدعوة والداعية : إن من يشق عصا الجمع فاضربوه بالسيف كائناً من كان !
مؤسس الجماعة قال فى رسالة “التعاليم”: “يجب على الأخ أن يعد نفسه إعداداً تاماً ليلبى أمر القائد فى أى ناحية
عمر التلمسانى المرشد الثالث للجماعة كان يرفع شعار “كن بين يدى مرشدك كالميت بين يدى مغسله”
اغتيال المعارضين السياسيين هو من صميم الاعتقاد الدينى للإخوان
محمود الصباغ فى كتابه (حقيقة التنظيم الخاص) قال :”إن أعضاء الجهاز يمتلكون – دون إذن من أحد- الحق فى اغتيال من يشاءون من خصومهم السياسيين”
عمليات ومحاولات الاغتيال التى كان يقوم بها النظام الخاص كانت تعتبر من قبيل الواجب الدينى والجهاد الشرعى
