تعرف على الأب الروحي لـ جماعات التكفير والتفجير

الحق والضلال

هو الشخص الوحيد الذي اجتمعت عليه كل الجماعات الإسلامية، المسلحة منها، أو التكفيرية، أو الإخوانية، ويمكن أن ترى شوقيًا، أو قطبيًا، أو إخوانيًا، أو شكريًا، يكفر أباه وأمه، ويحكم على كل المجتمع بالكفر والضلال والجاهلية، إلا أنه يحكم على ابن قطب بالإسلام، وأكبر نقد يمكن أن يوجهه له، أنه كان غير ملتحٍ . هو الأديب الذي كتب في الفقه والفكر، وقرأ المودودى، وأصبح شارحًا لأفكاره، ومضيفًا عليها، حتى أنه أصبح بجد، مرجعية الجماعات التكفيرية في العالم. ولد سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلى، في قرية موشة وهى إحدى قرى محافظة أسيوط بتاريخ ٩ / ١٠ / ١٩٠٦، وتلقّى دراسته الابتدائية في قريته، وفى سنة ١٩٢٠ سافر إلى القاهرة، والتحق بمدرسة المعلمين الأوّلية ونال منها شهادة الكفاءة للتعليم الأوّلى، ثم التحق بتجهيزية دار العلوم، وفى سنة ١٩٣٢ حصل على شهادة البكالوريوس في الآداب من كلية دار العلوم. وعمل مدرسًا نحو ست سنوات، ثم شغل عدة وظائف في الوزارة، وعين بعد سنتين في وزارة المعارف بوظيفة مراقب مساعد بمكتب وزير المعارف آنذاك إسماعيل القبانى، وبسبب خلافات مع رجال الوزارة، قدّم استقالته على خلفية عدم تبنيهم لبعض اقتراحاته. أثرت والدة سيد قطب في شخصيته، وكانت عاملًا كبيرًا في تحولاته، فقد كانت دائمًا ما تشبهه بالعقاد، ولذا فقد كان يرى نفسه المعادل الطبيعى للعقاد، بل هو أفضل منه. وهو الابن الأول لأمه بعد أخت تكبره بثلاث سنوات وأخ من أبيه غير شقيق يكبره. وكانت هي تريد منه أن يكون متعلمًا مثل أخواله. كما كان أبوه عضوًا في لجنة الحزب الوطنى وعميدًا لعائلته التي كانت معروفة في القرية. مرت أحداث جسام في حياة قطب، ساهمت فيما بعد في اتجاهاته الفكرية، ومنها فشله في الزواج، ففى سن الرابعة عشرة، عشق فتاة من قريته بأسيوط، لكنه حينما انتقل إلى القاهرة ليكمل تعليمه في مدرسة المعلمين، عاد بعد أعوام ثلاثة ليجدها متزوجة، وحين تخرج في الجامعة عام ١٩٣٣م، وعمل بوزارة المعارف في مطلع الأربعينيات، خفق قلبه من جديد، وخطب معشوقته، وفى ليلة حفل الخطوبة، سقطت من عين العروس دمعة فسألها عن السبب فأخبرته أنها كانت تعشق جارها الضابط في الجيش، فنضحت عليه كرامته، وفسخ الخطبة. كتب قطب قصته في قصيدة وسماها الكأس المسمومة وقال فيها: سممت عيشى وأحلامى وأخيلتى وأنت شيطانة في سمت أملاك وعشت أَرعاك في قلبى وأنت بلا قلبٍ يحس ويرعى كيف أرعـاك مَن أنت؟ ما أنت؟ إنى حائر قَلق أأنت أسطورة في سفر أفـاك؟ اشتغل قطب بالصحافة، وكان غزير الإنتاج، يكتب المقالات الأدبية والنقدية والتربوية والاجتماعية والسياسية، في مجلة الكاتب المصري و الكتاب و الوادي و الشئون الاجتماعية و الأديب و الرسالة و الثقافة و دار العلوم وغيرها، وقد أشرف على مجلتى الفكر الجديد و العالم العربي . واشتغل بالأدب، وساهم في تأسيس جماعة أبولو ، وكتب عن جميع كتب العقاد ومدحه لكنه في سنة ١٩٤٨ خرج نهائيًا من مدرسة العقاد. تعرض للنقد الكبير بسبب هجومه المتواصل على الأدباء والشعراء، حتى أمير الشعراء أحمد شوقى لم يسلم منه، فقد كتب مقارنة بينه وبين عزيز أباظة، ورأى الأول صانع شعر لا شاعرًا، واستدل بمسرحيته قيس وليلى ورأى أن أحمد بك زكى قدَّس الأموات عندما رفع مسرحية شوقى عن مسرحية أباظة، وأن مسرحية شوقى عمل بدائي متهافت من جميع الوجوه. كتب يقول: ينصحون لى بالكف عن هذه الموازنات التي تثير الغيرة والخصومات أنا لا أؤمن بهذه النصائح التي تنشأ من تقاليد الصالونات. لك يا جمال عبادتى … لك أنت وحدك يا جمال وأرى الألوهة فيك تُو … حى بالعبادة في جلال فإذا عَبدتُكَ لم أكنْ … يا حُسْنُ مِنْ أهل الضّلال في هذه الفترة انضمّ سيد قطب إلى حزب الوفد ثم انفصل عنه، وانضم إلى حزب السعديين، ثم أصبح مع الضباط الأحرار وثورة يوليو، وكان يفاخر بقوله الضباط الأحرار تلاميذى . حصل سيد قطب على بعثة للولايات المتحدة في ٣ نوفمبر ١٩٤٨ من وزارة المعارف للتخصص في التربية وأصول المناهج، وكان يكتب المقالات المختلفة عن الحياة في أمريكا وينشرها في الجرائد المصرية، ومنها مقال بعنوان أمريكا التي رأيت يقول فيه شعب يبلغ في عالم العلم والعمل قمة النمو والارتقاء بينما هو في عالم الشعور والسلوك بدائى لم يفارق مدارج البشرية الأولى، بل أقل من بدائى في بعض نواحى الشعور والسلوك . وفى أمريكا حدثت له الصدمة الأخرى، التي جعلته إخوانيًا، وهى احتفال الأمريكيين بمقتل حسن البنا، مما أثر في نفسيته، وقرر التعرف على هذه الحركة عندما يعود إلى بلده. كان محبًا لذاته، وفخورًا بنفسه، ويرى أنه مرشد ثورة يوليو ٥٢، وهم فهموا فيه ذلك، فتشاوروا معه في أمور كثيرة، وكان هو من أوعز إليهم بإعدام خميس والبقرى، وتم تعيينه من قبل قيادة الثورة مستشارًا للثورة في الأمور الداخلية، وأوكلوا إليه مهمة تغيير مناهج التعليم، لكنه اعتبر ما كلف به صغيرًا على حجمه، فاختلف معهم، وحاول عبدالناصر أن يرضيه، فعرض عليه أن يكون وزير المعارف، ومدير الإذاعة، لكنه واصل الرفض. استقال قطب من جميع مناصبه سنة ١٩٥٤، وبدأ يقترب شيئًا فشيئًا من الجماعة، فهى التي ستجعله مرشدها الروحى، وتعطيه المنصب الذي كان يبحث عنه، وفى نفس السنة تم اعتقاله مع مجموعة كبيرة من زعماء الإخوان المسلمين . وحكم عليه بالسجن لمدة ١٥ عامًا، لكن الرئيس العراقى عبدالسلام عارف تدخّل لدى الرئيس المصرى جمال عبدالناصر، فتم الإفراج عنه بسبب تدهور حالته الصحية سنة ١٩٦٤. منذ سنة ١٩٥٣ وسيد قطب عمليًا مع حركة الإخوان المسلمين، التي كلفته بتحرير جريدة الإخوان المسلمين وإلقاء أحاديث ومحاضرات إسلامية، خارج مصر في سوريا والأردن. قال قطب للأستاذ سليمان فياض، إن كل الناس تكتب في الأدب والنقد، ولكن ما يكتبه في الإسلاميات لا يستطيع أحد أن يكتبه ، وكما قلنا فقد وجد مبتغاه في الكتابة الإسلامية، ولقي التميز، حيث كانت كتبه تطبع بعشرات الآلاف من النسخ. أوائل مؤلفاته هما كتاباه التصوير الفنى في القرآن الكريم و مشاهد القيامة في القرآن ، حيث تحدث فيهما ببلاغة الأديب، عن القرآن بأسلوب حديث جديد لم يتحدث به البلاغيون من قبل. جاء فيما بعد مؤلفه الثالث العدالة الاجتماعية في الإسلام ، الذي يعتبر تحولًا جديدًا في فكر قطب؛ لأنه تنبأ بفئة جديدة تحمل الدين وتعمل من أجله. اتجه سيد قطب إلى تفسير القرآن، وكانت كتابته أدبية في مجملها، وهذه هي مشكلته، أن الجماعات الدينية أخذت كتبه، وتصويراتها الفنية على أنها فكر، بينما هو كان يهتم بالمعنى بصورة أدبية. ولقطب كتابات مهمة، منها ما كتبه شذرات في التاريخ ، ودعوته لتنقية التاريخ من العبث التراثى به، والمدسوسات والموضوعات به، لكن تسليط الجماعات الدينية الضوء على بعض المحاور من أفكاره، هو ما صنع أمامنا الأب الروحى للتكفير في العالم. كان قطب ينتقد بشدة عصر عثمان بن عفان، ويدافع عن على بن أبى طالب، ويهاجم معاوية بضراوة، ويكفر أبا سفيان وعمرو بن العاص، ولعل هذا ما جعل مراجع الشيعة يقرون بكتبه في كل مدارسهم الدينية. يقول قطب: نحن نميل إلى اعتبار خلافة على امتدادًا طبيعيًا لخلافة الشيخين قبله، وأن عهد عثمان كان فجوة بينهما، فهو فهم كونه إمامًا يمنحه حرية التصرف في مال المسلمين بالهبة والعطية، فكان رده في كثير من الأحيان على منتقديه في هذه السياسة، وإلا ففيم كنت إمامًا؟، كما يمنحه حرية أن يحمل بنى معيط وبنى أمية من قرابته على رقاب الناس وفيهم الحكم طريد رسول الله، لمجرد أن من حقه أن يكرم أهله ويبرهم ويرعاهم . وانتقد بنى أمية قائلًا: لقد اتسعت رقعة الإسلام في عهدهم، ولكن روحه انحسرت بلا جدال، وما قيمة الرقعة إذا انحسرت الروح، ولولا قوة كأمنة في طبيعة هذا الدين، وفيض عارم في طاقته الروحية؛ لكانت أيام أمية كفيلة بالقضاء عليه القضاء الأخير . وأضاف: أن غلبة معاوية على على ، كانت لأسباب أكبر من الرجلين كانت غلبة جيل على جيل، وعصر على عصر، واتجاه على اتجاه كان مد الروح الإسلامى العالى قد أخذ ينحسر، وارتد الكثيرون من العرب إلى المنحدر الذي رفعهم منه الإسلام، بينما بقى على في القمة لا يتبع هذا الانحسار، ولا يرضى بأن يجرفه التيار من هنا كانت هزيمته، وهى هزيمة أشرف من كل انتصار. ما جعل لقطب سقطات في كتاباته الدينية، هو أنه لم يكن عالمًا بل أديبًا، استخدم نهج الأدباء في علم الفقهاء؛ فقال بقول المعتزلة إن القرآن من صنع الله ، وكفر أبا سفيان وقال: هو ذلك الرجل الذي لقي الإسلام منه والمسلمون ما حفلت به صفحات التاريخ، والذي لم يسلم إلا وقد تقررت غلبة الإسلام، فهو إسلام الشفة واللسان لا إيمان القلب والوجدان. المعالم الفكرية لقطب، التي اجتمعت عليها كل الجماعات في العالم هي، جاهلية القرن العشرين، والاستعلاء الإيمانى، والمفاصلة الشعورية مع الجاهلية، وجاء هذا كله منشورًا في كتب في ظلال القرآن، وهذا الدين، ومعالم في الطريق. في كتاب هذا الدين ركز على كيفية صناعة جيل قرآنى فريد، أما معالم في الطريق فقد كتبه في السجن على شكل رسائل جمعت، وهربها عن طريق شاويش في سجن ليمان طرة، وصدرت في كتاب أيضًا، وهو الكتاب الأخطر لسيد قطب. يقول في معالم في الطريق: لا بدّ من قيادة للبشرية جديدة، إنّ قيادة الرجل الغربى للبشرية قد أوشكت على الزوال. لأن النظام الغربى قد انتهى دوره لأنه لم يعد يملك رصيدًا من القيم ما يسمح له بالقيادة . وفى موضع آخر يقول: لقد اجتمع في الإسلام المتفوق، العربى والفارسى والشامى والمصرى والمغربى والتركى والصينى والهندى والرومانى والإغريقى والإندونيسى والإفريقى إلى آخر الأقوام والأجناس وتجمّعت خصائصهم كلها لتعمل متمازجة متعاونة متناسقة في بناء المجتمع الإسلامى والحضارة الإسلامية. ولم تكن هذه الحضارة الضخمة يوما ما عربية إنما كانت دائمًا إسلامية ولم تكن قومية إنما كانت دائمًا عقيدية . وعن تصوره للدولة ونظام حكمها يقول: ومملكة الله في الأرض لا تقوم بأن يتولّى الحاكمية في الأرض رجال بأعينهم، وهم رجال دين كما كان الأمر في سلطة الكنيسة، ولا رجال ينطقون باسم الآلهة كما كان الحال فيما يعرف باسم الثيوقراطية أو الحكم الإلهى المقدس!! ولكنها تقوم بأن تكون شريعة الله هي الحاكمة، وأن يكون مردّ الأمر إلى الله وفق ما قرره من شريعة مبيّنة . في سنة ١٩٦٥ اعتقل مرة أخرى بتهمة التخطيط لقلب نظام الحكم واغتيال جمال عبدالناصر، وقد كان بالفعل هناك تنظيم من تلاميذ سيد قطب هم من خططوا لذلك، ومنهم، يوسف هواش وعبدالفتاح إسماعيل، اللذان أعدما معه. وقد صدر حكم الإعدام على سيد قطب بتاريخ ٢١/٨ /١٩٦٦ وتم تنفيذه بسرعة بعد أسبوع واحد فقط في ٢٩/ ٨/١٩٦٦ قبل أن يتدخّل أحد بالوساطة. في ليلة تنفيذ الحكم، طلب منه أن يقبل أن يكتب التماسًا لعبدالناصر فرفض وقال: إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفًا واحدًا يقر به حكم طاغية. لم يكن أحد ليروى ما جرى لقطب في غرفة الإعدام سوى، اللواء فؤاد علام الذي كان ضابطًا صغيرًا ساعتها، حيث قال: إن يوم إعدام سيد قطب لم يكن اليوم معلومًا لأحد، وكنت أجلس في السيارة الأولى وبجوارى سيد قطب، وفى الثانية كان يجلس محمد يوسف هواش نائب سيد قطب في قيادة التنظيم، وفى الثالثة كان يجلس عبدالفتاح إسماعيل المسئول عن الاتصالات الخارجية لجماعة الإخوان المسلمين، والثلاثة محكوم عليهم بالإعدام، وركب السيارات يتحرك بهم من السجن الحربى لسجن الاستئناف لتنفيذ الحكم فيهم، وكان سيد قطب يرتدى بدلة داكنة اللون تحتها قميص أبيض ويبدو بصحة جيدة فهو لم يتم ضربه أو تعذيبه كما أشاع الإخوان كما أنه لم يكن مجهدًا أو مرهقًا. أضاف: قال سيد قطب خلال الطريق بنبرة تشفٍ وحسرة: للأسف الشديد لم ينجحوا في تنفيذ عملية نسف القناطر الخيرية التي لو تمت لانتهى النظام، وإن مشكلتى في عقلى لأنى مفكر وكاتب إسلامى كبير والحكومة تريد القضاء على الإسلام عبر قتلى . يضيف اللواء فؤاد علام: فهم سيد قطب من الإجراءات داخل السجن أنه سيتم إعدامه فازداد توتره، وأخذ يردد أنا مفكر إسلامى كبير والحكومة لم تجد سبيلًا للقضاء على أفكارى لذا تعدمنى، ثم بدأت مراسم تنفيذ الحكم، فلبس سيد قطب بدلة الإعدام الحمراء وسئل إن كان يريد شيئًا، فطلب كوب ماء تجرعه ثم طلب أن يصلى الفجر، ثم دخل غرفة الإعدام وتم تنفيذ الحكم.

          
تم نسخ الرابط