مدد يا عدرا.. مدد يا أم النور

الحق والضلال


فى كل عام أُسارع إلى تهنئة من يتقربون إلى الله بصيام السيدة العذراء.
أربعة عشر يومًا كاملة، من يوم ١ مسرى إلى ١٥ مسرى بالتقويم القبطى، ثم يكون عيدها يوم ١٦.
أعرف مسيحيين كثيرين لا يصومون من أصوامهم إلا صوم العذراء فقط، ليس لأنه الصوم الوحيد الذى فرضه الشعب على الكنيسة، ولكن لأنه يرتبط باسم السيدة التى زاحمت كل رجال الأرض، وانتزعت منهم مكانتها.
السيدة مريم هى الوحيدة التى يحتفى بها تاريخ البشرية الدينى، هناك بالطبع أخريات، لكنها تظل الأبرز والأعظم.
عند المسيحيين هى أم الرب التى تتجلى عندما تضيق الدروب بصغارها، فتلهمهم الصبر على ما يلاقونه، وتبعث لهم برسالة يتلقفونها منها بحُب، فهى موجودة، تحنو على الضائعين وتجبر خاطر المكلومين، وتطبطب على ظهر المنكسرين.
وعند المسلمين هى سيدة نساء العالمين، لها سورة باسمها فى القرآن، لا تنازعها فى ذلك أخرى رغم كثرة النساء اللاتى أثرن فى تاريخ الدعوة الإسلامية. كلهن كن بشريات قمن بأدوار أرضية، لكنها وحدها سيدة المعجزة الكبرى، أنجبت دون أن يمسسها بشر، وكان الولد عبدالله ورسوله.
تعترف الكنيسة بأنها لا تصوم إلا لله، هذا واقع لا يمكن لأحد أن يُنكره عليها، لكنها لا تتحرج من نسبة الأصوام إلى الرسل وإلى السيدة العذراء لديهم مبرر منطقى لا يمكن أن تنكره عليهم.
فالصوم فى الغالب يقع قبل أعياد الرسل ولذلك يُنسب إليهم، كما ينسب صوم العذراء إليها لأنه ينتهى بعيد ظهور جسدها، إنه بعض من التكريم الذى لا يمكن أن يستاء منه أحد، كما أنه تذكير بالصالحين وتخليد لهم وتقديمهم كقدوة للأجيال التى تتوالى على دين المسيح.
كان توما الرسول يبشر بالمسيحية فى الهند، ولما عاد إلى أورشليم سألهم عن السيدة العذراء، فأخبروه بموتها، قال لهم: أريد أن أرى أين دفنتموها؟ ، أخذوه إلى قبرها، ولما لم يجدوا جسدها، فأخبرهم بأنه رأى الجسد يسرى، وصاموا خمسة عشر يومًا، حتى تجلت لهم فى اليوم السادس عشر فجعلوا منه عيدًا.
تحديد السنة التى ماتت فيها السيدة العذراء ليس مهمًا.
طبقًا لكتب التاريخ فإنها توفيت بعد رفع المسيح (طبقًا للمسيحية)، ورفعه إلى السماء (طبقًا للإسلام)، بخمس سنوات، وكانت فى الثالثة والخمسين من عمرها، وطبقًا لكتب التاريخ أيضًا، فإن نهاية المسيح كانت عام ٣٠ أو ٣٣ ميلادية، ومعنى ذلك أنها ماتت فى سنة ٣٥ أو ٣٨ ميلادية. لكن كل ذلك لا قيمة له، لأن للسيدة مريم الآن معنى ودلالة، أكثر من أى شىء آخر، لن يختلف الأمر إذا عرفنا فى أى عام ولدت، أو فى أى عام توفيت، لكن سيكون فارقًا جدًا، عندما نُقدر حجم آلامها وأحزانها، عندما نعرف أنها سيدة المدد الأولى فى التاريخ كله.
هل اقتربت من مريم التى أريد أن أتحدث عنها على هامش حالة روحانية يتقرب إليها بها ملايين البشر حول العالم؟
تقريبًا تكَون المعنى الذى أريده، ففى عالم لا يعرف سوى القسوة تأتى هذه السيدة لتزيل عن كواهل المتعبين تعبهم، يثقون فى أنها صاحبة معجزات، وحتى لو كنت لا تؤمن بما تقدر عليه، فإنك لا تستطيع أن تتخلص من سطوتها وسيطرتها عليك.
يمكنك أن ترفض ما أقوله فأنا لن أتحدث عن مريم المسيحية ولا مريم المسلمة، ولكن هنا حديث ممتد عن مريم المصرية.
إنها ككل شىء يدخل إلى المصريين من باب الدين، يرحبون به، ثم يصبغونه بصبغتهم الخاصة التى لا يستطيع أحد أن يصل إلى حدودها ولذلك فأم الرب عند المسيحيين وسيدة نساء العالمين عند المسلمين، عند المصريين ستجدها شفيعة فهم يتعلقون بخيوط الرحمة التى وضعها الله بين أصابع أوليائه، والسيدة مريم من أولياء الله الكبار، ألم يستأمنها على سره، على كلمته وروحه التى جعل منها ولدًا أو نبيًا مرسلًا لا فرق، ألم يجعلها تلد طفلًا بعد تعطيله الأسباب التى نعرفها، مانحًا إياه أسبابه هو وطلاقة قدرته هو.
هى إذن صاحبة معجزة وكرامة قد لا يعرف المصريون عنها كثيرًا ولا قليلًا لكنهم مع ذلك وفى خطوبهم الكثيرة يرفعون أيديهم إلى السماء طالبين المدد من أم النور.
          
تم نسخ الرابط