ماذا حدث يوم السبت عشية دخول الرب يسوع إلى أورشليم .... اليكم التفاصيل الكاملة للخيانة والتآمر
القصة حدثت يوم السبت عشية دخول الرب إلى أورشليم. ووضعها كلا الإنجيليين متى ومرقس بين الآيات التى تشير للخيانة والتآمر، فتكون نوعا من إظهار المحبة للرب يسوع على ما إحتمله من خيانة وصلب وموت لأجلنا.
مريم تدهن يسوع بالطيب في بيت عنيا
وردت هذه القصة في (مت6:26-13 + مر3:14-9 + يو1:12-11)
وزمنياً فهي حدثت كما يوردها إنجيل يوحنا يوم السبت مساءً عشية أحد الشعانين . ولكننا نجد أن متى ومرقس يوردان القصة بعد مشاورة اليهود وإتفاقهم على قتل المسيح. وذلك لأن متى ومرقس لم يهتما بالترتيب الزمني لكنهما أرادا تصوير محبة مريم للمسيح في مقابل خيانة يهوذا ومؤامرات اليهود. وكأنهما أرادا أن يقولا يا رب وحتى وإن كان اليهود قد رفضوك فنحن على إستعداد أن نبذل كل غالٍ ورخيص في سبيل حبك. نحن نحبك يا رب مثل مريم ومستعدين أن نسفك حياتنا لأجلك. وعلى نفس النهج تقرأ الكنيسة هذا الفصل يوم الأربعاء لتقابل بين مريم التى سكبت الطيب حبا فى المسيح وبين خيانة يهوذا وتشاوره مع الكهنة .
+ وهناك قصة مشابهة في (لو36:7-50). وهناك من يخلط بينهما ويظنهما قصة واحدة ولكن قصة لوقا حدثت في الجليل في بيت سمعان الفريسي وكانت تلك المرأة خاطئة ومعروفة بخطيتها وإن كانت قد تابت حديثاً. ولكن القصة التي نحن بصددها فقد حدثت في بيت عنيا في بيت سمعان الأبرص. غالباً كان سمعان الأبرص هو والد هذه الأسرة أي لعازر ومرثا ومريم (مر3:14) وكان المسيح قد شفاه وإلا لما جلس معهم. في قصة لوقا إنسانة خاطئة تسكب الطيب بروح التوبة وفي متى ومرقس إنسانة فاضلة مُحِبَة تعلن محبتها وتسكب الطيب بروح النبوة لتكفين يسوع.
الآيات (يو1:12-11):-“ 1ثُمَّ قَبْلَ الْفِصْحِ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ أَتَى يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا، حَيْثُ كَانَ لِعَازَرُ الْمَيْتُ الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ. 2فَصَنَعُوا لَهُ هُنَاكَ عَشَاءً. وَكَانَتْ مَرْثَا تَخْدِمُ، وَأَمَّا لِعَازَرُ فَكَانَ أَحَدَ الْمُتَّكِئِينَ مَعَهُ. 3فَأَخَذَتْ مَرْيَمُ مَنًا مِنْ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ، وَدَهَنَتْ قَدَمَيْ يَسُوعَ، وَمَسَحَتْ قَدَمَيْهِ بِشَعْرِهَا، فَامْتَلأَ الْبَيْتُ مِنْ رَائِحَةِ الطِّيبِ. 4فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، وَهُوَ يَهُوذَا سِمْعَانُ الإِسْخَرْيُوطِيُّ، الْمُزْمِعُ أَنْ يُسَلِّمَهُ: 5 لِمَاذَا لَمْ يُبَعْ هذَا الطِّيبُ بِثَلاَثَمِئَةِ دِينَارٍ وَيُعْطَ لِلْفُقَرَاءِ؟ 6قَالَ هذَا لَيْسَ لأَنَّهُ كَانَ يُبَالِي بِالْفُقَرَاءِ، بَلْ لأَنَّهُ كَانَ سَارِقًا، وَكَانَ الصُّنْدُوقُ عِنْدَهُ، وَكَانَ يَحْمِلُ مَا يُلْقَى فِيهِ. 7فَقَالَ يَسُوعُ: اتْرُكُوهَا! إِنَّهَا لِيَوْمِ تَكْفِينِي قَدْ حَفِظَتْهُ، 8لأَنَّ الْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ .
9فَعَلِمَ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ الْيَهُودِ أَنَّهُ هُنَاكَ، فَجَاءُوا لَيْسَ لأَجْلِ يَسُوعَ فَقَطْ، بَلْ لِيَنْظُرُوا أَيْضًا لِعَازَرَ الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ. 10فَتَشَاوَرَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ لِيَقْتُلُوا لِعَازَرَ أَيْضًا، 11لأَنَّ كَثِيرِينَ مِنَ الْيَهُودِ كَانُوا بِسَبَبِهِ يَذْهَبُونَ وَيُؤْمِنُونَ بِيَسُوعَ. “
آية (يو1:12):- “1ثُمَّ قَبْلَ الْفِصْحِ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ أَتَى يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا، حَيْثُ كَانَ لِعَازَرُ الْمَيْتُ الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ. “
الفصح يكون 14نيسان والمسيح أتى إلى بيت عنيا يوم السبت 8نيسان ووليمة العشاء كانت بعد غروب السبت لأن مرثا كانت تخدم ولا يحل الخدمة يوم السبت. ويقرأ هذا الفصل مساء سبت لعازر (عشية أحد الشعانين) تطبيقاً لقول الإنجيل “قبل الفصح بستة أيام”. وتكرر قراءته يوم الأربعاء من البصخة المقدسة في الساعة السادسة لما جاء فيه عن يهوذا الإسخريوطي. وذلك حسب ما عرضه متى ومرقس وأوردا القصة بعد ذكر مؤامرة اليهود ضد المسيح. وأيضا الكنيسة اتبعت نفس فكر متي ومرقص ، فتقرأ فصل محبة مريم للمسيح كصورة مناقضة لخيانة يهوذا له إعلانا أن الكنيسة تحبه بالرغم من كراهية العالم له. هنا نجد أن المسيح يسلم نفسه مثل خروف الفصح بين أيدي أحبائه ليكفنوه.
الآيات (يو2:12-3):- “2فَصَنَعُوا لَهُ هُنَاكَ عَشَاءً. وَكَانَتْ مَرْثَا تَخْدِمُ، وَأَمَّا لِعَازَرُ فَكَانَ أَحَدَ الْمُتَّكِئِينَ مَعَهُ. 3فَأَخَذَتْ مَرْيَمُ مَنًا مِنْ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ، وَدَهَنَتْ قَدَمَيْ يَسُوعَ، وَمَسَحَتْ قَدَمَيْهِ بِشَعْرِهَا، فَامْتَلأَ الْبَيْتُ مِنْ رَائِحَةِ الطِّيبِ. ”
بحسب ما ورد في متى ومرقس فهذه الوليمة كانت في بيت سمعان الأبرص وهناك رأيين [1] أن سمعان الأبرص هو والد لعازر ومريم ومرثا والوليمة كانت في بيتهم. [2] سمعان الأبرص شخص معروف وذو قرابة لعائلة لعازر لذلك أقام وليمة ليسوع الذي أقام لعازر. وأتت الأختان لتخدما في هذه الوليمة بدافع محبتهما ليسوع وكرد لجميله لإقامة أخيهما لعازر من الموت. وغالباً فسمعان الأبرص أخذ إسمه هذا من أنه كان أبرصاً وشفاه المسيح. وسواء كان سمعان الأبرص والد لهم أو قريب فنحن أمام صورة رائعة يحبها المسيح.
سمعان الأبرص: شفاه المسيح وهو أتى ليشفينا من مرض الخطية ومعروف أن البرص رمز للخطية. والمسيح جاء لحياتنا ليطهرها. والمسيح يحب أن ندعوه لبيوتنا كما فرح بدعوة ابراهيم ليأكل عنده .
لعازر: أقامه المسيح من الموت وهو أتى لتكون لنا حياة.
مرثا: وكانت مرثا تخدم مرثا تعبر عن حبها بالخدمة. بعد أن يقيم المسيح كنيسته من الأموات ويعطيها حياة ، عليها أن تقوم وتخدم وتشهد له ولعمله ، هذه تمثل حياة الخدمة. وهكذا صنعت حماة سمعان إذ قامت وخدمتهم بعد أن شفاها الرب .
مريم: تعلن حبها للمسيح وتسكب حياتها ومالها عند قدميه مشتركة في صليبه محتملة كل ألم ، ويكون هذا رائحة طيبة تنتشر في كل العالم هذه تمثل حياة التأمل.
يسوع وسط كنيسته: يتعشى معها وتتعشى معه (رؤ20:3) فكنيسته فتحت قلبها له.(يتعشى معها هنا على الأرض عربوناً لعشاء عرس الخروف في السماء)
في بيت عنيا: أي بيت الحزن والألم. والمسيح معنا الآن يشترك في آلامنا على الأرض ويعزينا (هنا على الأرض، هذه التعزية والشبع بشخصه= يتعشى معنا).
ونلاحظ أن مرثا استمرت في عملها في خدمة البيت. ومريم إستمرت في عملها تحت قدمي يسوع ملازمة المكان الذي إختارته نصيباً لها (لو39:10، 40). وهنا مريم إنتهزت فرصة وجودها تحت قدمي يسوع لتعلن حبها، وأنها بآلامها تشترك مع المسيح في آلامه. فمريم سمعت كلام المسيح وأنه سيصلب ويتألم ويموت وآمنت بما قال وهي تصنع هذا لتكفينه.
لعازر كان أحد المتكئين معه= وجود لعازر في الوليمة إعلاناً لقوة الحياة التي في المسيح والتي تتحدى قرار السنهدريم. مناً= المن= 327جم= رطل روماني= لتر
ناردين خالص= أي عطر خالص دون أي زيوت أو إضافات، أصيل ونقي. ناردين معناه السنبل وهو النبات الذي يستخرج منه هذا الطيب وهو أثمن ما عرف يومئذ من أطياب وهو من شمال الهند. هذا إشارة لمن يقدم حباً خالصاً ولا يطلب ثمناً لهذا الحب.
دهنت قدمي يسوع= يقول متى ومرقس أنها دهنت رأسه. فالعادة كانت أن يسكب المضيف دهناً على رأس ضيفه (لو46:7). ومريم سكبت الطيب على رأس السيد ثم قدميه، ومتى ومرقس تكلما عن العادة المتبعة، أن مريم قامت بواجب الضيافة المعتاد. أمّا يوحنا فلاحظ غير المعتاد أنها تدهن قدميه بل مسحت قدميه بشعرها وإذا كان الشعر هو مجد المرأة (1كو15:11)= منتهى الإتضاع والإنسحاق، فيوحنا حبيب المسيح لاحظ بمحبته النارية هذه الملاحظة، أنها لم تقم فقط بواجب الضيافة المعتاد، بل وضعت مجدها تحت قدمي من تحبه وهذا هو الحب في نظر يوحنا. فإمتلأ البيت من رائحة الطيب= ملاحظة شاهد عيان. بل أن الرائحة مازالت منتشرة لهذا اليوم “يذكر ما فعلته هذه المرأة تذكاراً لها” ونلاحظ أن القصة حدثت عشية أسبوع آلام المسيح وتقرأها الكنيسة في ميعادها أي السبت مساءً. فمحبة مريم التي قدمتها هي نموذج لما يجب أن نقدمه للمسيح في مقابل آلامه، علينا أن نضع كل ما لنا (حتى مالنا من مجد تحت قدميه) فتنتشر الرائحة الطيبة.
الآيات (يو4:12-6):- “4فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، وَهُوَ يَهُوذَا سِمْعَانُ الإِسْخَرْيُوطِيُّ، الْمُزْمِعُ أَنْ يُسَلِّمَهُ: 5 لِمَاذَا لَمْ يُبَعْ هذَا الطِّيبُ بِثَلاَثَمِئَةِ دِينَارٍ وَيُعْطَ لِلْفُقَرَاءِ؟ 6قَالَ هذَا لَيْسَ لأَنَّهُ كَانَ يُبَالِي بِالْفُقَرَاءِ، بَلْ لأَنَّهُ كَانَ سَارِقًا، وَكَانَ الصُّنْدُوقُ عِنْدَهُ، وَكَانَ يَحْمِلُ مَا يُلْقَى فِيهِ. ”
يذكر الإنجيليين متى ومرقس ويوحنا أن الطيب كان كثير الثمن ولكنهم لم يهتموا بكم هو الثمن. ولكن يهوذا وحده إهتم، فكل شئ عنده يمكن أن يباع حتى سيده المسيح. وهو قدَّر ثمنه بثلاثمائة دينار= وهي أجرة العامل في سنة فالعامل أجرته دينار في اليوم. ونلاحظ أن الثمن الذي قدَّره يهوذا للطيب كان أكثر كثيراً جداً من الثمن الذي باع به سيده (يُقدَّرْ بـ4 مرّات) هنا نرى التناقض صارخاً بين محبة مريم للسيد ومحبة يهوذا للمال وخيانته لسيده . فالإنسان العالمي يحب الأخذ ولا يحب العطاء، أمّا إبن الله فهو يسكب نفسه سكيباً. وكان كلام يهوذا فيه تعريض بالمسيح وأنه قبل الطيب بدلاً من الفقراء، وتحريض للتلاميذ والسامعين، وهذا ما حدث فهم إغتاظوا وبدأوا يرددون ما قاله يهوذا (مت8:26+ مر4:14). ويهوذا كان سارقاً= وكونه سارقاً يدل على طبعه الخائن وعدم أمانته ونلاحظ أن المسيح سلَّم يهوذا الصندوق لكفاءته في النواحي المالية. وكان المسيح وتلاميذه يتعيشون مماّ في الصندوق. ولكن يهوذا كان يأخذ أكثر من حقوقه لنفسه. فالله أعطاه موهبة التفوق في الأمور المالية ولكن فنلاحظ أن مواهبنا والنقاط القوية التي نملكها قد تتحول لنقاط ضعف إذا إنخذع الإنسان من شهوته وإنغلب من التجربة التي تَعْرِضْ له من ناحيتها. كما أنها تكون مصدر بركة وقوة له ومنفعة للخدمة لو غلبها، أي غلب شهوته. (يع13:1، 14). يحمل= أصلها ينشل.
الآيات (يو7:12-8):- “7فَقَالَ يَسُوعُ: اتْرُكُوهَا! إِنَّهَا لِيَوْمِ تَكْفِينِي قَدْ حَفِظَتْهُ، 8لأَنَّ الْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ .”
المسيح هنا يتنبأ بأنه عند موته لن يكون هناك وقت لتكفينه وما فعلته مريم هو كنبوءة (فمريم من شدة محبتها شعرت بما سيحدث له، وصدقت كلامه بأنه سيصلب ويموت ويقوم فى اليوم الثالث كما كان يقول دائما) وواجب تكفين لجسده، وهو بهذا يرد على ما قاله يهوذا من أن هذا كان يجب أن يعطي للفقراء بأن الفقراء معكم كل حين وهناك من قلبه مملوء شراً ويتستر وراء أشياء حلوة. والمسيح بهذا يبرئ مريم من أنها أخطأت بفعلها، بل هي كرمت من له كل الكرامة وهو مستحق لها. بل أن ذكر التكفين كان فيه تقريع ليهوذا الخائن الذي يفكر في خيانة سيده. فيهوذا طعن السيد ومريم تلقفت جسده بعطرها. لقد بدأت مريم ما أكمله بعد ذلك يوسف ونيقوديموس. ولاحظ أنه في (مت20:28) يقول “أنا معكم كل الأيام” وهنا يقول “أنا لست معكم في كل حين” هو يقصد أنه سيتركهم بالجسد إذ يموت ويقوم ويصعد للسماء. ولكن المعنى إنتهزوا أي فرصة موجودة، فالفرصة قد لا تتكرر. والمحبة تعرف متى تقدم للمسيح ومتى تعطي الفقراء.
الآيات(مر3:14-9):-“ 3وَفِيمَا هُوَ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ الأَبْرَصِ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ، جَاءَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ. فَكَسَرَتِ الْقَارُورَةَ وَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ. 4وَكَانَ قَوْمٌ مُغْتَاظِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَقَالُوا: لِمَاذَا كَانَ تَلَفُ الطِّيبِ هذَا؟ 5لأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ هذَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِمِئَةِ دِينَارٍ وَيُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ . وَكَانُوا يُؤَنِّبُونَهَا. 6أَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ: اتْرُكُوهَا! لِمَاذَا تُزْعِجُونَهَا؟ قَدْ عَمِلَتْ بِي عَمَلاً حَسَنًا!. 7لأَنَّ الْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ، وَمَتَى أَرَدْتُمْ تَقْدِرُونَ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِمْ خَيْرًا. وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ. 8عَمِلَتْ مَا عِنْدَهَا. قَدْ سَبَقَتْ وَدَهَنَتْ بِالطِّيبِ جَسَدِي لِلتَّكْفِينِ. 9اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهذَا الإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ، يُخْبَرْ أَيْضًا بِمَا فَعَلَتْهُ هذِهِ، تَذْكَارًا لَهَا .“
آية (مر3:14):- “3وَفِيمَا هُوَ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ الأَبْرَصِ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ، جَاءَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ. فَكَسَرَتِ الْقَارُورَةَ وَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ. “
فكسرت= كل من يقبل كسر جسده ويقدمه ذبيحة حية يكون له رائحة الطيب. فقارورة الطيب تشير للحياة التي طالما كانت مغلقة فلا فائدة منها، وعندما تنفتح بالحب للمسيح، بل عندما يهلكها الإنسان ويحطمها لأجل الرب تفوح منها رائحة مباركة أبدية (الشهداء والرهبان مثلا). متكئ= هذه عادة رومانية وتعني الإستناد على المائدة. فكانوا يجلسون على الأرض ويتكئون بيدهم اليسرى على المائدة ويسندون رأسهم على يدهم اليسرى ويأكلون باليد اليمنى. فيما هو في بيت عنيا= بيت عنيا تعني بيت العناء والألم. فالمسيح أتى إلى بيت عنيا إستعداداً لأسبوع آلامه وللصليب ولكنه الآن في بيت أحبائه يفرح بحبهم له ونحن الآن في العالم في بيت الألم ولكنه مازال وسطنا يفرحنا ويعزينا بوجوده معنا. جاءت امرأة= نلاحظ أن متى ومرقس لم يذكرا إسمها. ولكن يوحنا ذكره وحده. كما نلاحظ أن متى ومرقس لم يوردا القصة في مكانها الزمني، بل في سياق قصة الآلام وبدء المشاورات لقتل المسيح. فهما أرادا أن يظهرا التضاد بين موقف الخيانة لليهود وموقف الحب من مريم (CONTRAST) . ومتى ومرقس لم يذكرا إسمها لأنهم خافوا أن يقتلها اليهود ولأنهم أرادوا أن يجعلوها كرمز لكل نفس أحبت المسيح وعلى إستعداد أن تكسر نفسها وحياتها (2كو10:4، 11) + (رو35:8-39) لأجل المسيح الذي أحبها. صارت مريم تشير لكل نفس صادقة في لقائها مع السيد، صادقة في حبها وفي إحتمالها للآلام لأجله، تشير لكل نفس بل وللكنيسة كلها التي تقدم حياتها مبذولة كقارورة منكسرة لتعلن رائحة محبتها. ولاحظنا أن يوحنا قال أن الطيب سُكِبَ على قدميه أما متى ومرقس فقالا أنه سُكِبَ على رأسه. وفي هذا إشارة لطيفة هي أن الحب يمكن أن يقدم للمسيح نفسه (في جلسة هادئة في الصلاة وهذا تمثله مريم= سكب الطيب على رأسه) ويمكن أن نقدم الحب لأولاد المسيح وهذا تمثله مرثا الخادمة= سكب الطيب على القدمين). فالمسيح رأس الكنيسة والكنيسة تحت قدميه.
آية (مر8:14):- “8عَمِلَتْ مَا عِنْدَهَا. قَدْ سَبَقَتْ وَدَهَنَتْ بِالطِّيبِ جَسَدِي لِلتَّكْفِينِ. ”
للتكفين= كان سكب الطيب نبوة عن ألامه فالمريمات لم يقدرن على تكفين الجسد الطاهر مساء الجمعة مماّ دفعهن للذهاب بالأطياب فجر الأحد. المحبة التي في قلب مريم جعلتها تشعر بما سيحدث ليسوع بينما أن التلاميذ لم يصدقوا حتى اللحظة الأخيرة أن يسوع سيسلم للموت مع أنه قال هذا كثيراً لهم.
آية (مر9:14):- “9اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهذَا الإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ، يُخْبَرْ أَيْضًا بِمَا فَعَلَتْهُ هذِهِ، تَذْكَارًا لَهَا .”
يخبر أيضاً بما فعلته هذه تذكاراً لها= والكنيسة تتبع نفس ما قاله المسيح وهي تذكر لنا قصص محبة الشهداء والقديسين في السنكسار يومياً. وفي المجمع في القداس الذي نبدأه هكذا “لأن هذا يا رب هو أمر إبنك الوحيد أن نشترك في تذكار قديسيك وبهذا فالكنيسة تنفذ ما قاله المسيح هنا في أن تذكر من تشابه مع المسيح، فالمسيح سكب نفسه على الصليب، والشهداء سكبوا أنفسهم حباً في المسيح كما سكبت هذه المرأة طيبها وكسرت زجاجتها رمزاً لموت أجسادهم. ولاحظ رقة المسيح في قوله لماذا تزعجونها (آية6) فالمسيح يهتم بمشاعر أولاده ويطيب خاطرهم. تذكاراً لها= فما فعلته هذه المرأة هو من صميم الإنجيل أي أن يبذل الإنسان نفسه محبة في المسيح.
الآيات(مت6:26-13):-“ 6وَفِيمَا كَانَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ الأَبْرَصِ، 7تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طِيب كَثِيرِ الثَّمَنِ، فَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ. 8فَلَمَّا رَأَى تَلاَمِيذُهُ ذلِكَ اغْتَاظُوا قَائِلِينَ: لِمَاذَا هذَا الإِتْلاَفُ؟ 9لأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ هذَا الطِّيبُ بِكَثِيرٍ وَيُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ . 10فَعَلِمَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا تُزْعِجُونَ الْمَرْأَةَ؟ فَإِنَّهَا قَدْ عَمِلَتْ بِي عَمَلاً حَسَنًا! 11لأَنَّ الْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ. 12فَإِنَّهَا إِذْ سَكَبَتْ هذَا الطِّيبَ عَلَى جَسَدِي إِنَّمَا فَعَلَتْ ذلِكَ لأَجْلِ تَكْفِينِي. 13اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهذَا الإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ، يُخْبَرْ أَيْضًا بِمَا فَعَلَتْهُ هذِهِ تَذْكَارًا لَهَا . “
آية (مت26: 8):- “8فَلَمَّا رَأَى تَلاَمِيذُهُ ذلِكَ اغْتَاظُوا قَائِلِينَ: لِمَاذَا هذَا الإِتْلاَفُ؟”
إغتاظوا= لم يكن للتلاميذ هذا الحب الذي لمريم العظيمة في حبها. فحسبوا ما فعلته إتلافاً، أمّا مريم في محبتها للمسيح حسبت أن لا شئ له قيمة أمام حب المسيح لها، وأنها في مقابل حبه تبذل كل غالي ونفيس، وأن حبه أهم من العطاء للفقراء، وكما رأينا فإن يهوذا هو الذي بدأ هذا التذمر. ولاحظ أن من يريد أن يبرر نقص محبته للمسيح يقدم أعذاراً منطقية مثل الفقراء وغيره. ولاحظ رقة المسيح في أنه لم يكشف نية يهوذا أمام الجمع.
آية (مت26: 13):- “13اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهذَا الإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ، يُخْبَرْ أَيْضًا بِمَا فَعَلَتْهُ هذِهِ تَذْكَارًا لَهَا .”
لقد إستحسن الرب صنيع هذه المرأة وسمح بتخليد هذا العمل تذكاراً لإيمانها وحبها، تذكار يخبر به في كل العالم الذي ينتشر فيه الإنجيل. وهذه نبوة من الرب يسوع بإنتشار الإنجيل في العالم كله. وما الذي أراد الرب يسوع نشره في العالم بهذه القصة؟ هذه هي قصة الكنيسة التي رأت عريسها يبذل حياته عنها على الصليب وينابيع حبه تتفجر خلال الجنب المطعون، تتقدم هذه الكنيسة في شخص مريم كقارورة طيب تكسره بإرادتها لتفجر رائحة حبها خلال الطيب، وهكذا فعل الشهداء والمتوحدين والرهبان الذي تركوا العالم، بل كل نفس رفضت لذة خطايا العالم. وهكذا يمتزج الحب بالحب ، والألم بالألم ، والصليب بالصليب ، والجنب المطعون بالقارورة المنكسرة والمسكوبة على الجسد المقدس. والكرازة التي يصدقها الناس هي كرازة شخص بذل نفسه حباً في، ولأجل من آمن أنه بذل حياته لأجله على الصليب. فالكرازة ليست كلاماً ولكنها محبة تبذل نفسها.
مريم ساكبة الطيب
القصة حدثت يوم السبت عشية دخول الرب إلى أورشليم. ووضعها كلا الإنجيليين متى ومرقس بين الآيات التى تشير للخيانة والتآمر، فتكون نوعا من إظهار المحبة للرب يسوع على ما إحتمله من خيانة وصلب وموت لأجلنا.
[2] #ساكبو_الخيانة"يهوذا الاسخريوطى،،،وحنان وقيافا"
#يهوذا_الاسخريوطى
كان يهوذا التلميذ الوحيد الذى من اليهودية، أما الباقون فكانوا من الجليل. وكان لكفاءته المالية والإدارية قد أعطاه السيد أمانة الصندوق (كانت كفاءته هذه هى وزنته) ولكنه تحول إلى لص وخائن. وهناك سؤال لماذا ترك السيد الصندوق معه بعد أن إكتشف أنه يسرق؟ هو لم يكن هكذا أولا لكنه مع الوقت ومع اليأس من إشهار المسيح نفسه كملك فيحصل هو على منصب كبير، بدأ فى إستغلال القليل الذى فى الصندوق. وربما بدأ اليأس يزداد فى قلبه من حصوله على نصيب كبير بعد ملك المسيا بعد سماع طلب أم إبنى زبدى بمراكز كبيرة لإبنيها، وطلب بطرس نصيبه الذى سيحصل عليه إذ ترك كل شئ. لقد إختاره الرب لكفاءته، وتركه بعد أن علم بالسرقة أولا لرحمته وطول أناته، وثانيا حتى لا يدفعه لليأس والعزلة وقد يدفعه هذا للإرتداد عن المسيح فيخسر المسيح هذه النفس. إذاً بداية مشكلة يهوذا كانت فساد داخلى والرب أعطى له فرصة للتوبة ولكن الفساد ظل ينمو داخليا حتى وصل للسقوط المروع. وزنته أو موهبته كان من الممكن أن يمجد بها الله لكنه إنحرف داخليا بسبب المال فكانت موهبته سبب هلاكه. إلتحق يهوذا بالمسيح فى بداية تجمع التلاميذ حول المسيح وكله أمل فى منصب مغرى له ماديا. وأعجب بتعاليم الرب ومعجزاته وسلطانه على الأرواح النجسة، بل صار له هو أيضا سلطان على الأرواح النجسة مع بقية التلاميذ. ورأى خضوع المعمدان للمسيح وسمع شهادة المعمدان عنه. ولكن مع الوقت بدأ اليأس والإحباط يدب فى قلبه، فقد إستشهد يوحنا ولم ينتقم له المسيح، بل أن المسيح إنسحب من المكان. ثم رفض المسيح الملك إذ طلب الشعب أن يملكوه. ثم يطلب الفريسيين منه آية من السماء لإثبات أنه المسيا فيرفض. ويطلب إخوته منه النزول إلى أورشليم ليظهر نفسه فيرفض. ثم إصراره على أنه سيصلب ويموت. وكان كل هذا ضد طموحاته التى جعلته يسير وراء المسيح. وربما بدأ الشك يملأ قلبه وخميرة الفريسيين تنمو داخله ويصدق أن المسيح يعمل معجزاته بواسطة بعلزبول. ومع أنه قد إتضح للكثيرين أن مملكة المسيح هى مملكة روحية تصادم هذا مع أحلام يهوذا فى مملكة مادية وسلطان ومكاسب مادية. وربما دخله الإحباط عندما لم يصعد إلى جبل التجلى وفشله مع بقية التلاميذ فى شفاء الولد المجنون. وهنا نجد أن الإحباط داخله إزداد وتحول لكراهية للمسيح.
وهكذا كل منا معرض لتلك التجربة حينما لا يسمح الله بتحقيق أحلامنا المادية
فيقودنا الإحباط إلى ظلمة القلب.
وربما مع تأكيد المسيح المتكرر بأنه سيصلب قال يهوذا فلأخرج بأى مكسب وتوجه لرؤساء الكهنة، وكانوا مجتمعين يدبرون المؤامرة لقتل المسيح. وتكون الإجتماع من قيافا ورؤساء الكهنة والسنهدريم والرؤساء. وكان هؤلاء هم حلقة الوصل بين الشعب وبين السلطات الرومانية. وهذا المجمع كان يجتمع فى حالة الجرائم السياسية مثل هذه التى يريدون إلصاقها بالمسيح، وليس فى القضايا الصغيرة. وباع يهوذا نفسه وقال لهم “ماذا تريدون أن تعطونى”. وباع سيده فى مقابل 30 من الفضة وهى ثمن العبد، فالمسيح صار عبدا لفدائنا. وأخذوا الثلاثين فضة من نقود الهيكل المخصصة لشراء الذبائح العامة فى المواسم والتقدمات اليومية النهارية والليلية. وهكذا صار المسيح ذبيحة لأجلنا. ويا لبؤس يهوذا الذى فى ضيقته لم يجد أحدا بجانبه فهو ترك المسيح ولم يقف بجانبه رؤساء الكهنة ولا أحد، ولم تنفعه الفضة بل رماها وذهب لمصيره المشئوم.
#لماذا_طلب_الرب_عن_بطرس_ولم_يطلب_عن_يهوذا ؟؟
المسيح قال لبطرس ليلة الخميس أنه سأل عنه لكى لا يهلك. والرب سأل عنه لأنه فتيلة مدخنة لا يطفئ، بينما لم يسأل عن يهوذا فلم يكن هناك داخله فتيلة مدخنة بل وصل للكراهية الكاملة للرب يسوع. الرب يسوع لم يجد فيه فتيلة مدخنة. ولقد إستنفذ معه الرب كل الوسائل بلا فائدة، ولكنه كان قد ترك أبواب قلبه مفتوحة للشيطان فملأ الشيطان قلبه وساده الظلام تماما (يو13 : 27) ولكن نلاحظ أن الرب نادى بطرس بإسمه القديم قائلا “سمعان سمعان” (لو22 : 31 ، 32) إذ كان يخاطب الإنسان العتيق الذى بداخله. فإنكار بطرس للمسيح شئ ينتمى للإنسان العتيق الذى فيه.
#حنان_وقيافا (من كتاب إدرشيم العالم اليهودى المتنصر)
وهو حنان السيئ السمعة فى العهد الجديد. وظل هو وإبنه فى رياسة الكهنوت حتى تولى بيلاطس البنطى ولاية اليهودية. وتبعه قيافا زوج إبنته فى رياسة الكهنوت.
وفى الهيكل تجد الصيارفة الذين يتواجدون وبكثرة فى المواسم وبالذات الفصح. فكانت أعداد الحجاج بمئات الألوف من كل أنحاء الدنيا. وبحسب الشريعة كان على كل واحد ما عدا الكهنة تسديد ضريبة للهيكل نصف شيكل. ومن يرفض دفع النصف شيكل يتعرض للحجز على بضائعه. لكن حجاج اليهود الآتين من بلاد مختلفة كان الموجود معهم عملات بلادهم. فكان عليهم أن يذهبوا للصيارفة لتغيير نقودهم إلى العملة اليهودية أى الشيكل ليدفعوا الضريبة السنوية للهيكل. وشرع الصيارفة لأنفسهم نسبة أرباح لهم من تغيير العملات، وكان ما يحصلون عليه مبالغ ضخمة. بل كان هؤلاء الصيارفة يدخلون فى صفقات وحوارات مع كل من يأتى إليهم للحصول على أكبر كم من الربح. وكان هناك غش كثير فى الموازين. كل هذا سبب أرباحا ضخمة لهؤلاء الصيارفة. ويقال أن “كراسوس” إستولى من هؤلاء الصيارفة فى الهيكل ذات مرة على مليونين ونصف إسترلينى (هذا الرقم مقدر من أيام تأليف هذا الكتاب فى منتصف القرن التاسع عشر).
يضاف لهذا تجارة المواشى والطيور التى تقدم كذبائح فى الهيكل. وحتى فى هذه التجارة إنتشر الغش بسبب الشرط أن يكون الحيوان الذى يقدم بلا عيب. وكان التلاعب فى هذا الموضوع سببا فى أرباح عالية بالإضافة للمغالاة فى أسعار الذبائح. وتصور الحال فى هيكل العبادة لله، مع كل هذا الكم من الطمع والغش والخداع والتجارة والمشاحنات بين الصيارفة وبائعى الحيوانات والطيور (والفصال فى الأثمان) والمشاحنات بين الناس ومن يقوموا على الكشف على الحيوان ليتأكدوا من خلوه من العيوب. وكان هناك أيضا تجارة السكائب وكل ما يقدم كتقدمات فى الهيكل. وفى أيام المسيح كان من يقومون بهذه التجارة هم أولاد حنان رئيس الكهنة. وكانت المحال التى يتم فيها هذه التجارة تسمى “بازار أولاد حنان”.
وحقا كان التجار والصيارفة يكسبون مكاسب ضخمة من هذه التجارة. ولكن كان المكسب الأكبر للكهنة الذين يحصلون على جزء من الأرباح. والمعروف وقتها أن عائلة رئيس الكهنة تربح من كل هذه التجارة أرباح خيالية. بل صارت عائلة رئيس الكهنة مشهورة بالشراهة والجشع والفساد. وبعد كل هذا … هل يصح أن يكون هذا بيت صلاة؟! بل صار مغارة للصوص كما قال الرب. ولقد صوَّر فساد هذه العائلة يوسيفوس المؤرخ وكثير من الربيين الذين أعطوا صورة مرعبة عما كان يحدث. وقال يوسيفوس عن حنان الإبن وهو إبن حنان رئيس الكهنة أنه كان خزينة للنقود، وإغتنى غناء فاحشا. بل كان يغتصب بالعنف حقوق الكهنة الشرعية. وسجل التلمود اللعنة التى نطق بها (آبا شاول) أحد الربيين المشهورين فى أورشليم على عائلة حنان رئيس الكهنة وعائلات رؤساء الكهنة الموجودين، والذين صار أولادهم وأصهارهم مساعدين لهم فى جباية الأموال، وصار خدامهم يضربون الشعب بالعصى. وهم يعيشون فى رفاهية ونهم وشراهة وفساد وسفه فى صرف أموالهم. وقال التلمود عنهم “لقد كان الهيكل يصرخ فى وجوههم أخرجوا من هنا يا أولاد عالى الكاهن لقد دنستم هيكل الله”. وهذا كله يساعد على فهم ما عمله يسوع فى تطهير الهيكل، وسبب عداء رؤساء الكهنة له. وهذا أيضا يعطى تفسير لماذا لم يعترض الجمهور الموجود على ما عمله يسوع. وخاف المسئولون عن مواجهته أو القبض عليه من هياج الجماهير والحامية الرومانية على بعد خطوات فى قلعة أنطونيا. [أضف لذلك هيبة المسيح التى أخافت الجميع كما حدث ليلة القبض عليه، فالمسيح حين يريد تظهر هيبته وإذا إستسلم لهم يكون هذا بإرادته]. ولكنهم خزنوا حقدهم ضد المسيح ليوم الصليب.
وعند محاكمة المسيح إقتاده الجند الرومان وخدام الهيكل مقيدا إلى قصر حنان حما قيافا رئيس الكهنة الرسمى. وهم ذهبوا إلى حنان فهم يعلموا أنه الرجل القوى على الرغم من وجود قيافا فى المركز الرسمى. وكان حنان غنيا جدا هو وأولاده وإستخدم نقوده فى عمل علاقات قوية مع السلطات الرومانية. وكان صدوقيا متفتحا بلا تزمت قادر على إرضاء السلطات الرومانية. ولم يسجل التاريخ اليهودى رجلا فى قوة وغنى ونفوذ حنان. وعمل ثروته مستغلا الهيكل. وكان حنان قد تولى رئاسة الكهنوت لمدة 6 أو 7 سنوات وجاء بعده قيافا زوج إبنته ثم ليس أقل من 5 من أبنائه وأحد أحفاده. وكان فى مكانه أفضل من رئاسة الكهنوت الرسمية، فهو يدبر ويخطط بلا مسئوليات ولا قيود رسمية. وطبعا كان إلتفاف الشعب حول المسيح سوف يسبب خسائر جسيمة مادية لكل هؤلاء الرؤساء. وطبعا كان حنان من ضمن الذين قرروا موت يسوع. ولكن المذكور فى الكتاب أن قيافا هو الذى أشار بذلك. وذهب الجند الرومان بالرب يسوع إلى حنان مباشرة كإختيار واقعى عملى فهو صاحب القرار عمليا وهم يعرفون هذا.
وذهب الرب يسوع لرؤساء الكهنة هؤلاء ليقدموه ذبيحة فصح حقيقية
وكآخر ذبيحة مقبولة يقدمونها ككهنة.
الآيات (مت3:26-5):- “3حِينَئِذٍ اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ وَشُيُوخُ الشَّعْب إِلَى دَارِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ الَّذِي يُدْعَى قَيَافَا، 4وَتَشَاوَرُوا لِكَيْ يُمْسِكُوا يَسُوعَ بِمَكْرٍ وَيَقْتُلُوهُ. 5وَلكِنَّهُمْ قَالُوا: لَيْسَ فِي الْعِيدِ لِئَلاَّ يَكُونَ شَغَبٌ فِي الشَّعْبِ .“
الآيات (مت14:26-16):- “14حِينَئِذٍ ذَهَبَ وَاحِدٌ مِنَ الاثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِي يُدْعَى يَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيَّ، إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ 15وَقَالَ: مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُعْطُوني وَأَنَا أُسَلِّمُهُ إِلَيْكُمْ؟ فَجَعَلُوا لَهُ ثَلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ. 16وَمِنْ ذلِكَ الْوَقْتِ كَانَ يَطْلُبُ فُرْصَةً لِيُسَلِّمَهُ. “
الآيات (لو1:22-6):- “1وَقَرُبَ عِيدُ الْفَطِيرِ، الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْفِصْحُ. 2وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ يَطْلُبُونَ كَيْفَ يَقْتُلُونَهُ، لأَنَّهُمْ خَافُوا الشَّعْبَ. 3فَدَخَلَ الشَّيْطَانُ فِي يَهُوذَا الَّذِي يُدْعَى الإِسْخَرْيُوطِيَّ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الاثْنَيْ عَشَرَ. 4فَمَضَى وَتَكَلَّمَ مَعَ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَقُوَّادِ الْجُنْدِ كَيْفَ يُسَلِّمُهُ إِلَيْهِمْ. 5فَفَرِحُوا وَعَاهَدُوهُ أَنْ يُعْطُوهُ فِضَّةً. 6فَوَاعَدَهُمْ. وَكَانَ يَطْلُبُ فُرْصَةً لِيُسَلِّمَهُ إِلَيْهِمْ خِلْوًا مِنْ جَمْعٍ. “
رؤساء الكهنة أي من يمثلون الكهنة. حنان وقيافا+ رؤساء الفرق (فرق الكهنة الأربعة والعشرين). وشيوخ الشعب هم رؤساء العائلات ومنهم نجد مجمع السنهدريم أي المجمع الأعظم الذي له السلطة العظمى في كلا الأمور الروحية والمدنية. قيافا= هو رئيس الكهنة الفعلي. وكان حنان الذي عزله بيلاطس هو حما قيافا. ولكن غالباً كان حنان له تأثير ونفوذ كبير. ولذلك في محاكمة المسيح فحصه حنان أولاً أي سأله عن تلاميذه وخدمته، ثم أرسله إلى قيافا. وقيافا هذا كان صدوقياً. قالوا ليس في العيد= ولكن الله دبَّر أن يكون صلبه أمام يهود العالم كله لينتقل الخبر للعالم كله. ولماذا لم يكتشف رؤساء الكهنة شخص المسيح ويفرحوا به كرئيس الكهنة الأعظم؟!
كان هذا بسبب إهتمامهم بالكرامات الزمنية وخوفهم على مصالحهم الشخصية ومكاسبهم المادية وشكلية عبادتهم. وهذا قد فهمه بيلاطس أنهم “أسلموه حسداً” (مر10:15). فالحسد أعمى عيونهم.
ثلاثين من الفضة= ثمن شراء العبد حسب الناموس (خر32:21) المسيح بيع كعبد لكي يحررنا من العبودية. وتحققت بهذا نبوة زكريا (13:11). وكان الهدف من خيانة يهوذا أن يسلمه منفرداً بعيداً عن الجموع (لو6:22)، إذ هو يعرف الأماكن التي ينفرد فيها مع تلاميذه سراً. لقد أعمى الطمع أعين التلميذ، أمّا مريم فقد فتح الحب قلبها. وغالباً فقد كان رؤساء الكهنة قد دبروا أنهم يلقون القبض على المسيح بعد الفصح ولكن عرض يهوذا سَهَّل عليهم الأمر وعدلوا خطتهم لتصير قبل الفصح. وربما هم إهتموا بأن يتعجلوا القضاء عليه، حتى لا تثور الجماهير ويملكوه فيثير هذا الرومان ويسلبوا الرؤساء اليهود ما تبقى لهم من سلطة.
كان يهوذا محباً للمال وطامعاً في مركز كبير حين يصير المسيح ملكاً. ولكن حديث المسيح عن صليبه خَيَّبَ أماله، وربما فهم أن ملكوت المسيح سيكون روحياً وهذا لن يفيد أطماعه بشئ، بل هو سمع أن تلاميذه عليهم أن يحتملوا الإهانات وهذا لا يتفق مع أماله في العظمة والغنى. فباع المسيح.
دخل الشيطان في يهوذا ليس إكراهاً بل لأنه وجد الباب مفتوحاً لديه، وجد فيه الطمع ومحبة المال باباً للخيانة. ثم بعد اللقمة دخله الشيطان (يو27:13). كان يهوذا قد سلَّم نفسه للشيطان، صار إناءً له، ومع كل فرصة ينفتح الباب بالأكثر للتجاوب مع إبليس كسيد له يملك قلبه ويوجه فكره ويدير كل تصرفاته. أي أن يهوذا كان كل يوم ينمو في تجاوبه مع الشيطان فيملك عليه بالأكثر. لذلك علينا أن لا نفتح للشيطان أي باب يدخل منه، حتى لا يسود علينا. لذلك قال السيد المسيح “رئيس هذا العالم آتٍ وليس لهُ فيَّ شئ” إذ لم يقبل منه شئ خاطئ (راجع التجربة على الجبل) والعكس فمن يتجاوب مع الروح القدس يملأه (رؤ10:1+ 2:4). فروح الله يشتاق أن يحل في قلوب أولاده بلا توقف ليملأهم من عمله الإلهي. وأيضاً إبليس يحاول أن يملأ ويسود على من يتجاوب معهُ ويُصَيِّرَهُ أداة خاضعة له. وكل إنسان حر أن يختار ممن يمتلئ . يهوذا بدأ سارقاً وإنتهى خائناً للمسيح.
الفصح وأيام الفطير= إرتبط العيدان في أذهان اليهود وكأنهما صارا عيداً واحداً. وكان يستخدم تعبير عيد الفطير ليشمل الفصح أيضاً، كما يطلق إسم الفصح على عيد الفطير.
اجعلنا يا رب ان نكون مثل مريم نسكب طيب محبتنا لك يا من سكبت دمك محبة لنا لان لك القوة والمجد والبركة والعزة الى الابد أمين