اتحاد طبيعة المسيح ... عقيدة الكنيسة الارثوذكسية في طبيعة الاتحاد


(اتحاد طبيعة المسيح)
اتحاد بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيرر ولا استحالة
المقصود أن وحدة الطبيعة هي وحدة حقيقية. ليست اختلاطًا مثل اختلاط القمح بالشعير، ولا امتزاجًا، مثل مزج الخمر بالماء أو مزج اللبن بالماء. كما لم يحدث تغيير مثل الذي يحدث في المركبات، فمثلًا ثاني أكسيد الكربون فيه كربون وأكسجين، وقد تغير طبع كل منهما في هذا الاتحاد وفقد خاصيته التي كانت تميزه قبل الاتحاد، بينما لم يحدث تغيير في اللاهوت ولا في الناسوت باتحادهما.
كذلك تمت الوحدة بين الطبيعتين بغير استحالة Transubstantiation.
فما استحال اللاهوت إلى ناسوت، ولا استحال الناسوت إلى لاهوت، كما أن اللاهوت لم يختلط بالناسوت، ولا امتزج به، إنما هو اتحاد، أدى إلى وحدة في الطبيعة

👌
مثال اتحاد الحديد والنار
وقد استخدمه القديس كيرلس الكبير، واستخدمه أيضًا القديس ديسقورس. ففي حالة الحديد المحمى بالنار، لا نقول هناك طبيعتان: حديد ونار، إنما نقول حديد محمى بالنار، كما نقول عن طبيعة السيد المسيح إله مستأنس، أو إله متجسد، ولا نقول إنه اثنان إله وإنسان.
وفى حالة الحديد المحمى بالنار لا توجد استحالة. فلا الحديد يستحيل إلى نار، ولا النار تستحيل إلى حديد.
ولكنهما يتحدان معًا بغير اختلاط ولا امتزاج. وإن كان هذا الحال ليس إلى دوام، وهنا نقطة الخلاف. غير أننا نقصد التشبيه بالحديد في حالة كونه محمى بالنار، وله كل خواص النار وكل خواص الحديد.
وكذلك كانت طبيعة الكلمة المتجسد واحدة، ولها كل خواص اللاهوت وكل خواص الناسوت

👌
مثال اتحاد النفس والجسد
وقد استخدم هذا التشبيه القديس كيرلس عامود الدين، والقديس أوغسطينوس، وعدد كبير من علماء اللاهوت القدامى والحديثين.
وفى هذا المثال تتحد طبيعة النفس الروحانية، بطبيعة الجسد المادية الترابية، ويتكون من هذا الاتحاد طبيعة واحدة هي الطبيعة البشرية.
هذه الطبيعة التي ليست هي الجسد وحده، ولا النفس وحدها، وإنما هما الاثنان معًا متحدين بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ولا استحالة. فما استحالت النفس إلى جسد، ولا استحال الجسد إلى نفس، ومع ذلك صار الاثنان واحدًا في الجوهر وفي الطبيعة، بحيث نقول إن هذه طبيعة واحدة وشخص واحد.
فإن كنا نقبل مثال اتحاد النفس والجسد في طبيعة واحدة، فلماذا لا نقبل اتحاد اللاهوت والناسوت في طبيعة واحدة؟!

👌
(طبيعة واحدة وطبيعتين)
هنا ونطرح سؤالًا هامًا بالنسبة إلى تعبير "طبيعة واحدة" وتعبير "طبيعتين":
ألا نعترف كلنا أن هذه التي نسميها طبيعة بشرية، كانت فيه قبل الاتحاد طبيعتان: هما النفس والجسد. ومع ذلك فالذين يستخدمون تعبير (الطبيعتين) اللاهوتية والبشرية، لا يتكلمون عن طبيعة النفس وطبيعة الجسد، إنما عن طبيعة واحدة بشرية في المسيح. فإن كان لابد من التفصيل، فإن هذا سيؤدى إلى أن في المسيح ثلاث طبائع!!! هي اللاهوت، والنفس، والجسد، وكل من هذه الطبائع له كيانه الخاص وجوهره الخاص وطبعًا لا يقبل أحد هذا الكلام، لا هذا الجانب ولا ذاك.
أما إن قبلنا اتحاد النفس والجسد في طبيعة واحدة في المسيح، واستخدمنا هذا التعبير لاهوتيًا،
فإنه يكون من السهل علينا أذن أن أن نستخدم عبارة طبيعة واحدة للمسيح أو طبيعة واحدة لله الكلمة المتجسد
وكما أن الطبيعة البشرية يمكن أن يقال عنها أنها طبيعة واحدة من طبيعتين، كذلك نقول عن الكلمة المتجسد أنه طبيعة واحدة من طبيعتين.
فإن قيل إن إن طبيعة اللاهوت مُغايرة لطبيعة الناسوت، فكيف يتحدان، نقول أيضًا أن طبيعة النفس هي كذلك مُغايرة لطبيعة الجسد، وقد اتحدت معه في طبيعة واحدة هي الطبيعة الإنسانية.
ومع أن الإنسان تكون من هاتين الطبيعتين، إلا أننا لا نقول عنه مطلقا أنه اثنان، بل إنسان واحد. وكل أعماله ننسبها إلى هذه الطبيعة الواحدة.
وليس إلى النفس فقط، ولا إلى الجسد فقط. فنقول أكل فلان أو جاع أو تعب أو نام أو تألم ولا نقول إن جسد فلان هو الذي أكل أو جاع أو تعب أو نام أو تألم. والمفهوم طبعًا أنه جاع أو نام بالجسد لكننا ننسب هذا الأمر إلى الإنسان كله، وليس إلى جسده فقط
كذلك كل ما كان يفعله المسيح كان ينسب إليه كله، وليس إلى لاهوته وحده أو إلى ناسوته وحده
كما قال لاون في مجمع خلقيدونية
إن اتحاد النفس والجسد، هو اتحاد ذاتي جوهري حقيقي، اتحاد أقنومي، كذلك اتحاد الطبيعة الإلهية للمسيح بالطبيعة البشرية في رحم العذراء، هو اتحاد أقنومي، ذاتي جوهري حقيقي. وليس مجرد اقتران أو مصاحبة كما يزعم نسطور.
ومع أن مثال وحدة النفس والجسد في الطبيعة البشرية هو مثال شامل في أوجه شتى، هي التي قصدناها وحدها، إلا أن هذا التشبيه فيه نقطة نقص، هي إمكانية انفصال النفس عن الجسد بالموت، وعودتها إليه بالقيامة. أما وحدة الطبيعة بين اللاهوت والناسوت في المسيح، فهي وحدة بغير انفصال. فلم ينفصل لاهوته عن ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين.