فى ذكرى أبوالرهبان .. تعرف على قواعد وشروط الرهبنة

وعرف العالم كله ذلك النظام الاجتماعي "الرهبنة"، على يد الملياردير المصري "أنطونيوس"، الذي ولد ببلدة قمن العروس التابعة لمحافظة بني سويف عام 251م، وتوارثته من بعده الأجيال، التي احتفظت بقوانين الرهبنة التي يحيا عليها الرهبان إلى يومنا هذا، ويبدأ الراهب حياته الرهبانية وهو في بيت أبيه، حيث أن تعريف الرهبنة هو الانحلال من كل شىء للارتباط بالله فقط، وبناء عليه يبدأ الفرد في ممارسة الأصوام الانقطاعية والتي لا يأكل خلالها أي شىء، والمواظبة على الصلاة باجتهاد، والتقرب إلى الكنيسة، باستمرار قبل الذهاب إلى الدير، لطلب الرهبنة.
ـ الاستعداد لدخول الدير
وتُعد أولى الخطوات الجدية للشاب الراغب في الرهبنة، هي مرحلة "الخُلوة الروحية"، ويمر الشاب بتلك المرحلة من خلال الذهاب الى "بيت الخُلوة"، والموجود بأي دير من أديرة مصر، لتجربة حياة الرهبان ويرأس "بيت الخلوة" أحد رهبان الدير، ويضع به نظام رهباني مصغر، يقوم على قوانين صارمة، بالساعة والدقيقة، من يخالفها يتعرض لترك الدير في التو واللحظة، حتى ولو كان التوقيت في وقت متأخر، ويتعرف الشاب خلال فترة الخُلوة التي يقضيها بالدير على نموذج مصغر من حياة الرهبان المتعبة والمرهقة، كما يكتشف ميوله، وهل يميل بالفعل إلى حياة النسك أم هي مجرد أحاسيس أو إعجاب بالرهبان وكفاحهم.
ـ إجراءات ما قبل الرهبنة وشروط التقدم للدير
ويلزم الشاب الراغب في الرهبنة استيفاء عدة شروط قبل أن يتقدم الى الدير الذي يرغب بالرهبنة به، أبرزها: ألا يكون الشاب متزوجًا أو سبق له الزواج بمعنى ليس أرمل أو مطلق، بالإضافة إلى إجراء كشف طبي شامل للاطمئنان أن المتقدم للرهبنة لا يعاني من أمراض نفسية مثل الغيبة أو الجنون أو الانفصام، والتي من الممكن أن تدفع لإيذاء الرهبان دون وعي، وأيضًا الخلو من الأمراض الجنسية أو الميول المنحرفة مثل الشذوذ الجنسي، بالإضافة إلى الخلو من الأمراض الجسدية المعدية.
كما يشترط على طالب الرهبنة إنهاء موقفه القانوني من الخدمة العسكرية من خلال استخراج شهادة المعافاة النهائية أو شهادة استيفاء المدة، للاطمئنان أن المتقدم غير هارب من الخدمة العسكرية، واستخراج فيش جنائي للاطمئنان أنه غير هارب من أي أحكام ولم تصدر بحقه أحكام غيابية، بالإضافة إلى استخراج شهادة المؤهل الدراسي لا سيما أن هناك أديرة لا تقبل طالبي الرهبنة الحاصلين على شهادات أقل من درجة البكالوريوس أو الليسانس، بينما يُقبل الحاصلون على درجات المتوسط وفوق المتوسط بأديرة أخرى.
كما يجب أن يكون المتقدم للرهبنة مشهودا له من كنيسته التي ينتمي إليها، وذلك من خلال استخراج شهادة "تزكية" من كاهن الكنيسة أو أب الاعتراف تثبت أن المتقدم أحد الأبناء الأوفياء للكنيسة المؤهلين للسير في حياة الرهبان، كما أن يكون كامل الأهلية، قادرا على التعايش مع المجتمع، بمعنى أنه لم يتقدم للدير هربًا من ثأر أو خشية من المسئولية والتعرض للفشل، حيث إن بعض الأديرة تسأل عن الحالة المادية لطالب الرهبنة قبل قبوله، للتأكد من أنه قادر على تحمل المسئولية تماما ولم يتقدم للدير عجزا عن تدبير تكاليف الزواج.
ويجب أن يكون المتقدم للرهبنة غير وحيد أبويه، بمعنى أن يترك أحد في بيته ليرعى والداه في سن الكبر والمرض والعجز، حيث أن ذلك يستلزم أن يكون لديه أخوة أو أخوات، وفي حالا تصميم الوحيد على الرهبنة يجب أن يكتب والداه إقرارا تفصيليا بالحالة وأنهم سمحا بكامل رغبتهما في ترك ابنهما للدير، وليس لهم الحق في طلبه مرة أخرى، والدير معفي من أي مساءلات قانونية.
ـ روشتة العفة والطهارة
وقام الرهبان بتصميم عدة قواعد للشباب الجدد المقبلين على الرهبنة، حتى يتسنى لهم السلوك في أقصى درجات العفة والطهارة وكانت كالآتي:
أ- "العين سراج الجسد" يضع الرهبان هذه الآية نصب أعينهم ليلًا ونهارًا، ولذا فإن مبدأ غض البصر يحتل المكانة الأولى في نفوسهم، حتى لا يتسلل أي منظر إلى الفكر والذي يسيطر على الفرد بدوره.
ب- الراهب المرشد: وهو أب كبير في السن يتعامل مع الرهبان الشباب الجدد بمبدأ الطبيب الذي يضع القوانين والأعمال والصلوات وعدد السجدات "الميطانيات" للراهب الذي يعاني من أفكار أو أحلام ترهقه، ويساعده في التخلص منها.
ت- الصلاة المستمرة ليلًا ونهارًا حيث يتدرب الراهب على أن يصلي وهو يأكل ويشرب ويعمل ويتمشى ليصل الأمر إلى العقل الباطن والذي يعكس الأمر بدوره في الأحلام أثناء النوم.
ث- النوم والأكل على الكفاف حيث لا ينام الراهب في وضع قد يثير الحواس أو الشهوة الجنسية مثل النوم على البطن، كما لا ينام وقتا كبيرا بل ينام الفترة التي تسمح له بإكمال دورة الحياة، وهكذا أيضًا الأكل فالرهبان غالبًا لا يأكلون الأكلات التي تعطي الجسد طاقة كبيرة مثل اللحوم والشحوم والمأكولات البحرية، وكذلك بعض الأكلات مثل المقبلات الحارقة، كما لا يأكلون حتى الشبع، بل يصومون فترات طويلة ويأكلون بعدها حتى لا تخور قواهم.
ج- من القواعد المهمة في حياة الرهبان أن العقل الفارغ معمل للشيطان، ولذلك فإن يوم الراهب لا يخرج خارج الصلاة المستمرة، والعمل الشاق والمرهق، والقراءة والاطلاع والدراسة في العلوم الدينية.
ح- يعتمد الرهبان على العمل الشاق في إرهاق أجسادهم التي تفرغ قوتهم في العمل ولا تطلب منهم أي شىء سوى النوم لإعادة شحن القوة مرة أخرى.
خ- الهروب من التجمعات لا سيما التي تتواجد بها النساء، وأيضا الأحاديث التي يمكن أن تسمح بتسلل الأفكار السيئة إلى العقل.
ـ جدول الراهب اليومي
ويمر اليوم الطبيعي للراهب المقيم داخل الدير بعدة مراحل:
1- فترة الصوم وهي منذ الساعة 12 مساءً وحتى غروب الشمس أو أكثر، حيث إنه يوجد رهبان يأكلون وجبة واحدة يوميًا أو كل يومين أو أكثر، ويستثنى من ذلك شيوخ الدير أي الطاعنين في السن، والذين يعانون من أمراض تمنعهم.
2- فترة الصلاة: يستيقظ الراهب في تمام الساعة الثالثة والنصف فجرا ليبدأ مع بقية الرهبان وشباب بيت الخلوة وطالبي الرهبنة تسبحة نصف الليل بالكنيسة الكبرى بالدير، ثم القداس الإلهي، وبعدها يستمر بالصلوات حتى تغفل عيناه.
3- فترة العمل: تعقب القداس الإلهي حيث يتوجه الراهب للإفطار إن لم يكن صائما في ذلك اليوم، ويتجه إلى العمل وينقسم العمل إلى عدة اتجاهات كل فرد وميوله فهناك أعمال كتابية مثل العمل في سكرتارية الدير أو البوابة أو الحسابات أو كتابة الأبحاث، وهناك أعمال جسدية مثل عمل القربان، أو ورش السيارات والأخشاب والبلاط والطوب والمأكولات بشتى أنواعها، وهناك أعمال أخرى مثل استقبال الضيوف وشرح معالم الدير الأثرية للأجانب والعمل بمضيفة أو بوفيه أو كانتين أو مكتبة أو مطبخ الدير، ويتقاضى الرهبان أجرا رمزيا من الدير مقابل تلك الأعمال ليعلمهم الدير أداء فريضتي البكور بمعنى إعطاء الله الأجر الأول، والعشور بمعنى منح الله عشر الأجر من الشهر الثاني إلى الأخير، والتصدق على المحتاجين، لا سيما أن الراهب لا يحتاج المال في شىء فالدير يتكفل بالمأكل والمشرب والعلاج في مصر وخارجها والدفن في حالات الموت وكل شىء من احتياجاته.
4- فترة الخلوة الروحية: وهي الفترة التي يختلي بها الراهب مع الله في الصحراء دون عمل أي شىء آخر، وهي الفترة التي يأتي الرهبان بسببها إلى الدير، لأنها الوحيدة التي لا يقدرون أن يعملوها في المدينة الصاخبة.
ـ مسكن الراهب
ويسكن الراهب داخل "قلاية"، وتتكون من قسمين القسم الأول هو الذي يراه الناس ويتكون من ثلاجة لحفظ الطعام وكراسي للجلوس وسرير للنوم وبعض الاحتياجات الأولية، والقسم الثاني هو المحبسة وهي مكان ضيق صغير نوره خافت ضعيف لا يدخله إلا الراهب صاحب القلاية، ولا يستخدم لشيء إلا للصلاة فقط.