تفاصيل أصعب 72 ساعة للرئيس فى عاصمة الضباب ..

الحق والضلال

-تعيين مبعوث لرئيس الوزراء البريطانى لتنمية العلاقات التجارية مع مصر قرار يصب فى صالح تطوير التعاون وجذب المزيد من الاستثمارات الإنجليزية


- تصريحات "كاميرون" عن دراسة وضع الإخوان وإعلان النتائج قريبًا للتعامل مع التطرف نجاح كبير لخطى السيسى والدبلوماسية المصرية


- الشعب المصرى أثبت أن التنظيم لن يستطيع هزيمة الدولة و"الإخوان" تاهوا فى "داونينج ستريت"



لا أحد كان يتوقع أن تحظى زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى التاريخية إلى مدينة الضباب "لندن" بكل هذا الزخم المثمر، وما شهدته من تجاذبات قبيل وأثناء الزيارة، خصوصًا بعد موقف الحكومة البريطانية غير المتزن والدقيق بشأن حادث سقوط الطائرة الروسية فى سيناء، واستباق الجانب نتائج التحقيقات الجارية بشأن الحادث، وهو الموقف الذى رد عليه الجانب المصرى بأنه مجحف، وغير متوازن.

الأمر الثانى فى هذا الإطار، هو رهان جماعة الإخوان وأنصارها على إفشال الزيارة، وحشد المزيد من مريديها لإفساد الزيارة، وإظهار الرئيس السيسى فى موقف ضعيف، حيث راهنت الجماعة المشتتة على أن السيسى لن يعود من لندن كما فى كل زياراته الخارجية التى حظيت بالنجاح المشهود، إلا أن بريطانيا التى اتخذت مواقف عدائية من ثورة 30 يونيو، هدأت من نبرتها هذه المرة، ونجح السيسى والتحركات الدبلوماسية فى انتزاع تصريحات رسمية من رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون حول وضع جماعة الإخوان وأنصار الفكر المتطرف، وأفصح عن دراسة بريطانية ستعلن نتائجها قريبًا بشأن التعامل مع التيارات المتطرفة.

تلك مقدمة مهمة لفهم ما يدور حول الزيارة من تحركات، وما يحيط بها من مناطق ملغومة، وأيضًا لفهم ما يدور فى الكواليس، سواء فى مقر إقامة الرئيس فى "هايد بارك" أو فى أروقة "10 داونينج ستريت"، مقر الحكومة البريطانية العتيق، الذى أراد الإخوان أن يحولوه إلى جنازة فى كراهية مصر، إلا أن المشهد الرائع للجاليات المصرية وهتافاتهم المستمرة، أسقط الأوراق عن الإخوان، وعرّى أجسادهم وعقولهم، وهزمهم شر هزيمة فى معقلهم وعاصمة "بيزنسهم" المشبوه، خصوصًا أن بريطانيا تعد أكبر مستثمر أجنبى فى مصر بحجم استثمارات يزيد على عشرين مليار دولار، فضلاً عن حجم التبادل التجارى بين البلدين الذى تجاوز 2.7 مليار دولار.

لا شك أننا كوفد إعلامى مرافق للرئيس، شعرنا منذ وطأت أقدامنا مطار هيثرو الدولى فى لندن، أن هناك شيئًا ما يجهز فى الخفاء، وأن هذه الزيارة لن تكون مثل مثيلاتها سواء فى برلين أو نيويورك، رغم المواقف المجحفة لألمانيا والولايات المتحدة ضد إرادة الشعب المصرى والتى سرعان ما تبددت وتغيرت إلى الأفضل بفضل إقناع الرئيس السيسى لقيادات العالم ومباحثاته المثمرة سواء إلى هامش مشاركته فى الدورتين 69 و70 للجمعية العامة للأمم المتحدة أو من خلال مباحثاته مع ميركل فى مقر المستشارية ببرلين.

وعزز شعور محاولات تخريب الزيارة ما رأيناه ولمسناه من تعامل الشرطة الإنجليزية الخشن للجاليات المصرية المؤيدة للرئيس السيسى فى لندن، والرعونة تجاه ممارسات الإخوان العنيفة، حتى إن هناك مظاهرات للإخوان كانت قاب قوسين أو أدنى من مقر إقامة الرئيس السيسى فى لندن، ووصلت إلى الباب الرئيسى، بينما الرئيس يعمل ويلتقى وفودًا وممثلى الشركات الإنجليزية لجذب المزيد من الاستثمارات فى مصر.

استمرت زيارة الرئيس للندن ثلاثة أيام، وتوجت بفتح صفحة جديدة من الشراكة والتعاون والتفاهم المتبادل بين البلدين، لتكمل خطوات التقارب مع القارة الأوروبية، ونجاح مصر فى إقناع بريطانيا ومن قبلها دول أوروبا الكبرى التى زارها الرئيس على مدار عام ومنها فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، بأن مصر الجديدة قامت بثورة شعبية وأنها تتجه نحو التنمية والاستقرار.

واستطاعت الزيارة فى الوقت نفسه إعادة العلاقات القديمة والوثيقة مع دولة بحجم بريطانيا لها قيمة كبيرة فى السياسة والاقتصاد، حيث تعد من أضخم العشر دول الكبار اقتصاديًا، كما تعد أكبر شريك استثمارى لمصر.

الرئيس السيسى عقد نحو 10 لقاءات على مدار أيام الزيارة مع قادة السياسة والاقتصاد بالمملكة المتحدة، نجحت هذه البقاءات فى أن يصل التعاون بين البلدين إلى مرحلة متقدمة من النضج، بعد شهور من الاختلافات، وبعد نقل صورة مغلوطة عن البلاد من جانب البعض.

كانت الأجواء ساخنة، أمس الخميس، رغم الصقيع وهطول الأمطار فى "داونينج ستريت"، وحاول الإخوان بكل ما أوتوا من قوة ووسائل إعلام تساندهم على الظهور بالأكثرية التى تعبر عن الشعب المصرى لإثبات ادعاءاتهم نحو التشكيك فى شرعية ثورة 30 يونيو، لكن فى الرصيف الملاصق لهم كانت تحركات الجاليات المصرية أكثر رقيًا وحشدًا وأعلى صوتًا، فقد كان عدد الجاليات المصرية يفوق عدد الإخوان ومناصريهم بنحو 10 مرات، دون أى مبالغة.

بدأ أنصار الإخوان بالهتافات والألفاظ المسيئة ضد مصر والرئيس السيسى، مع رفع أعلامهم الصفراء و"التيشيرتات" التى تحمل صور الرئيس المعزول محمد مرسى، وحاولوا بشتى الطرق جر أبناء الجالية المصرية إلى الاشتباك، كما تطاولوا على الوفد الإعلامى المصرى المرافق للرئيس، بل وصل الأمر إلى حد التعدى على البعض منهم، فيما كانت مهمة الوفد نقل الحقيقة والحصول على مزيد من الفيديوهات لاحتفالية المناصرين، واشتكى الوفد الإعلامى من رعونة الشرطة تجاه تجاوزات الإخوان، ثم ما لبثت الشرطة حتى تدخلت بعد تطور الأمر إلى الاعتداء بالأيدى على الوفد الإعلامى.

كانت الأجواء داخل مقر الحكومة البريطانية أكثر سخونة، تشابه الأمر هنا مع موقف المسشارة الألمانية فى المؤتمر الصحفى الذى عقد فى برلين مع الرئيس السيسى، حيث بدأت بتوجيه بعض الانتقادات لمصر، ثم بعدما تحدث السيسى ورد على الأسئلة كاملة فاعترفت ميركل بشرعية 30 يونيو وقالت إن الشعب المصرى هو الذى يحدد مصيره وأن المانيا مع إرادة المصريين، وهى الصفعة القوية التى وجهتها ميركل للإخوان.

مباحثات السيسى وكاميرون تجاوزت الساعتين، وأقام رئيس الوزراء البريطانى لضيفه المصرى الكبير مأدبة غداء، ثم خرجا فى المؤتمر الصحفى ليؤكدا على التقارب الكبير فى الرؤى بين البلدين، وأن هذه الزيارة أدت إلى نقلة فى العلاقات.

ديفيد كاميرون، قال فى المؤتمر الصحفى نصًا: "مصر شريك حيوى للمملكة المتحدة، هناك العديد من الموضوعات المشتركة التى تجمع بين البلدين،"، معربًا عن استعداد بلاده لتقديم جميع أشكال الدعم لمساندة مسيرة التحول السياسى التى ينشدها الشعب المصرى، والعمل على تحقيق التقدم والرخاء فى مصر كركيزة أساسية للأمن والاستقرار داخل محيطها الإقليمى، مثمناً ما حققته مصر من تقدم على الصعيد الاقتصادي، فيما أوضح الرئيس السيسى أن مصر ماضية بخطى ثابتة على مسار التحول الديمقراطى وعازمة على بناء دولة القانون التى تصون الحقوق والحريات.

وركز اللقاء على سبل التعامل مع ظاهرة الإرهاب والارتباط الوثيق بين أفكار التطرف والكراهية وبين أعمال الإرهاب، واتفق الجانبان على عدم كفاية الحل الأمنى فى التعامل مع تلك الظاهرة، وأشاد رئيس الوزراء البريطانى بالجهود المصرية المبذولة لدحر الإرهاب، كما تناول اللقاء أيضًا مستجدات الأوضاع فى الشرق الأوسط، ولاسيما فى ليبيا وسوريا وما يرتبط بها من تداعيات أزمة اللاجئين.

الزيارة نجحت بنسبة كبيرة، حتى ولو كان هناك هامش اختلاف، وهذا طبيعى لأن هناك قوى عالمية لا تريد للمنطقة العربية أن تستقر، ولا تريد لمصر كذلك أن تعود إلى ثقلها الإقليمى والدولى كيف لا ومصر قد أفشلت مخططات التقسيم فى المنطقة، وتتحول تدريجيًا من دولة تابعة ورهينة قوة واحدة، إلى دولة منفتحة اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا على العالم شرقًا وغربًا، ولعل الاتفاقات العسكرية الأخيرة مع روسيا والصين وفرنسا تؤكد هذا الطرح.

ونجحت الزيارة بما لا يدع مجالا للشك فى تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين البلدين، لا سيما بعد إعلان اللورد فرانسيس مود، وزير الدولة البريطانى للتجارة والاستثمار، عن قرار رئيس الوزراء البريطانى بتعيين عضو مجلس العموم جيفرى دونالدسون مبعوثًا شخصيًا له لتنمية العلاقات التجارية بين مصر والمملكة المتحدة.

واستطاع الرئيس السيسى، كما فى الزيارات السابقة، أن يقلب الطاولة لصالح الدولة المصرية، وخلال الزيارة عبر لقاءاته المتعددة مع قادة الفكر والرأى والإعلام والنواب البريطانيين، استطاع أن ينقل لهم رؤية مصر حول تداعيات الأحداث بالمنطقة، حيث أكد أن الشرق الأوسط لن يعود كما كان، وأن الدولة الوطنية فى مصر لم ولن تسقط رغم التحديات والصعاب التى واجهتها على مدار السنوات الأخيرة، مؤكدًا أن مصر قد اجتازت المرحلة الأصعب وتتطلع بثقة إلى المستقبل الذى يحمل الاستقرار والرخاء للشعب المصرى من خلال تنفيذ عدد من المشروعات القومية الكبرى التى ستحدث نقلة نوعية فى البلاد.

كان هناك لقاء بارز للرئيس السيسى مع أعضاء مجلسى العموم واللوردات، فى مقر إقامته بلندن، والذين أعربوا عن تقديرهم لمسار التحول الديمقراطى فى مصر، وأكدوا أنها أحد أهم الشركاء المحوريين فى الشرق الأوسط، وأن الحكومة المصرية اتخذت إجراءات اقتصادية جيدة فى الفترة الأخيرة تصب فى صالح التنمية والعدالة الاجتماعية.

كما التقى الرئيس خلال الزيارة مسئولى نخبة من مجتمع المال والاقتصاد البريطانى، ولعل أهمها لقاؤه برئيس أحد أكبر صناديق الاستثمار فى بريطانيا "أكتيس" والذى أعلن أن الصندوق يعتزم ضخ استثمارات جديدة فى مصر فى مشروعات القطاعات الإنتاجية المختلفة والقطاع المصرفى وقطاع الطاقة.

كما التقى السيسى، روبرت دادلى، الرئيس التنفيذى لشركة "بريتش بتروليوم"، حيث أكد الرئيس على تقدير مصر للنشاط الذى تقوم به الشركة بوصفها إحدى أهم شركات العاملة فى السوق المصرية، خاصة فى ضوء ما تشهده مصر حاليًا من اكتشافات جديدة فى مجال الغاز والأولوية المتقدمة التى توليها الدولة لقطاع الطاقة، مُرحبًا باعتزام الشركة ضخ استثمارات إضافية فى مجال الغاز والبترول خلال الفترة المقبلة.

وخلال لقائه الرئيس التنفيذى لبريتش بتروليوم استعرضا مشروع تنمية اكتشاف حقل غاز أتول فى البحر المتوسط الذى سيتم البدء فى تنفيذه بعد أقل من ثمانية شهور فقط منذ الإعلان عن اكتشافه فى مؤتمر شرم الشيخ، وقد أشار رئيس الشركة إلى اعتزامها ضخ استثمارات لتنمية هذا الحقل بإجمالى 3 مليارات دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة، بحيث يبدأ الإنتاج مع بداية عام 2018.

كما التقى الرئيس السيسى برئيس شركة بريتش جاز الذى أكد الرغبة فى زيادة الاستثمارات فى مصر للاستفادة من كونها سوقًا واعدة فى مجال اكتشافات الغاز.

ولعل أهم اللقاءات التى عقدها الرئيس السيسى كان مع اللورد بول دايتون، وزير الدولة السابق والخبير فى مجال البنية الأساسية وصاحب الإنجاز فى إعداد البنية البريطانية قبل تنظيم أوليمبياد لندن 2012، واستعرض الرئيس أثناء اللقاء المشروعات الوطنية المصرية الهادفة لرفع كفاءة البنية الأساسية فى مصر.

كما شهد نشاط الرئيس لقاءً مهمًا مع رئيس البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية والذى أصدر قرارًا مؤخرًا بتحويل مصر إلى دولة عمليات، وتم الاتفاق على ضخ 800 مليون يورو استثمارات جديدة فى مصر والمساهمة فى مشروعى مترو القاهرة ومحطة كهرباء دمنهور.

وفى ختام زيارته إلى المملكة المتحدة، التقى الرئيس وزير الدفاع البريطانى الذى أعرب عن رغبة بلاده فى تعزيز التعاون العسكرى والأمنى مع مصر، مؤكدًا أنها تعد شريكًا مهمًا لبريطانيا، كما تناول اللقاء بحث الرؤية المصرية لمكافحة الإرهاب والتطرف، وكيفية استعادة الأمن والاستقرار فى ليبيا، والتى أصبحت مصدرًا للقلق فى المجتمع البريطانى.

إذن، ووفقًا لهذه الإحصائيات واللقاءات المكثفة، وطريقة إدارة الرئيس السيسى لملفات ملغومة، واختراقه لحواجز الاختلافات، ووفقًا لألاعيب السياسة، والمصالح العليا للبلاد، فإن الزيارة حققت أهدافها سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، وساهمت فى دفع العلاقات بين البلدين إلى مرتبة أعلى، وسيكون هناك تبادل للزيارات على مستوى رجال المال والأعمال خلال المرحلة المقبلة، بما يصب فى صالح مناخ الاستثمار فى مصر، فى ظل المشروعات القومية التى يتم تدشينها، إضافة إلى الاستفادة من الخبرات البريطانية فى مجال تطوير البنية التحتية، والنظام التعليمى، حيث إن لدى بريطانيا 10 جامعات ضمن أفضل الجامعات على مستوى العالم.

كذلك، هناك نتيجة لا تقل فى أهميتها عن النتائج السابقة، فإن الزيارة التى كان يراهن عليها تنظيم الإخوان لشق الصف الوطنى وإحراج الدولة المصرية، نجحت، وأفشلت خططهم، وكشفتهم أمام العالم، وبينت الحقيقة الفاصلة والمجردة بأن أى تنظيم لا يمكن أن ينتصر على دولة، متلاحمة بشعبها وجيشها.

          
تم نسخ الرابط