انه التحدي الكبير إيمانويل غالي .. القصة كاملة .. تستحق القراءة 1086962


كان شابا طبيعيا يملؤه الحماس والنشاط, تعلم في طفولته بمدرسة فرنسية, وانتقل إلي مدرسة إنجليزية في مرحلة الثانوية, عاش حياته طولا وعرضا لأنه وحيد والديه, دخل الجامعة الأمريكية لدراسة الاقتصاد
وكان من أنشط زملائه في اتحاد طلاب الجامعة, وفي مساء أحد الأيام في أثناء خروجه بسيارته الخاصة تعرض لحادث علي طريق الأوتوستراد, فدخل في رحلة علاج استمرت أكثر من9 سنوات, انتهت بشلل رباعي تام من أعلي الرقبة إلي آخر أطراف القدمين, وفقد للإحساس من أعلي الكتف إلي أطراف الرجلين ورغم كل ذلك حصل علي شهادات علمية من جامعات أمريكية عن طريق بصمة الصوت أنه الشاب صانع التحدي الكبير إيمانويل غالي.
في غرفة مجهزة طبيا من كل شيء بمنزله في شارع ابن ماجد المتفرع من شارع الحجاز بمصر الحديدة, جلست لمدة4 ساعات ونصف ساعة لكي أحاور بطلا من أبطال متحدي الإعاقة, حيث استطاع هذا الشاب الذي لا يتحرك في جسمه أي جزء- أن يحطم كل قيود وأغلال الإعاقة, وأن يتحدي نفسه التي دعته يوما إلي الاستسلام للموت وينتصر عليها.
يقول إيمانويل غالي الشهير بـ مانو: ولدت في مايو عام1984, والدي يعمل في إحدي شركات البترول, ووالدتي طبيبة, وأنا ابنهما الوحيد, وكانت عنايتهما بي فائقة للغاية منذ الصغر وحتي الآن, وفي عام1989 التحقت بمدرسة دي لاسال الفرنسية في منطقة الظاهر, وحرصا علي راحتي نقل والدي مكان سكننا إلي جوار المدرسة, وقضيت فيها11 عاما, ثم التحقت بمدرسة إنجليزية في حي المعادي وهي الكلية الأمريكية ونقلنا سكننا للمرة الثانية إلي جوار المدرسة, وهنا حدثت مفارقة كبيرة في حياتي, حيث تحول مسار تعليمي من اللغة الفرنسية إلي الإنجليزية, ولكنني استطعت تجاوز ذلك حتي حصلت علي الدبلومة الأمريكية.
ويضيف مانو: في عام2002 التحقت بكلية الهندسة في الجامعة الأمريكية, وكنت طالبا نشيطا وخاصة في أثناء مشاركتي باتحاد طلاب الجامعة, وفي السنة الثانية من الدراسة حدثت نقطة تحول كبري, ففي مساء يوم الجمعة21 نوفمبر2003 تعرضت لحادث بسيارتي الخاصة علي طريق الأوتوستراد بالقرب من منطقة المقطم, وكان معي صديق لي, حيث انقلبت بي السيارة في الجزيرة الوسطي, فطبق السقف علي أنا فقط ولم يصب صديقي بأي شيء, ولأنني كنت رابط حزام الأمان لم يستطع المسعفون إخراجي, وأعتقد أن أحدهم قام بجذب رأسي بقوة ليخرجني من السيارة فقطع النخاع الشكوي, ونقلت إلي مستشفي اليوم الواحد, وكان التقرير المبدئي لحالتي هو موت شاب في حادث سيارة اللي هو أنا طبعا, وعندما حضرت والدتي قامت بنقلي إلي مستشفي قصر العيني الفرنساوي, وبعد دخولي فوقت من الغيبوبة لمدة لحظات, وتحدثت مع والدتي بالإنجليزية هل هذا كابوس أم ماذا فقالت لي نام يا حبيبي وبكرة الدنيا هتكون أحسن, و التشخيص الطبي الثاني, شلل رباعي تام من أعلي الرقبة إلي أخر أطراف الأقدام, وذلك نتيجة تهتك في النخاع الشوكي وكسر في الفقرات العنقية(C.4C5), وفقد للإحساس التام من أعلي الكتف إلي أطراف الرجلين, ومكثت في الرعاية المركزة علي تنفس صناعي4 أشهر, وقاموا بتركيب شق بلاستيك في حنجرتي لتسهيل عملية التنفس, وظللت عاما وثلاثة أشهر بدون كلام.
ويكمل مانو قصته: نصح الأطباء في قصر العيني والدتي بضرورة نقلي إلي مركز التأهيل الطبي بالعجوزة, وظللت فيه8 أشهر, وخلال تلك الفترة حدثت لي قرحة فراش من الدرجة الرابعة, حتي بدأت العظام تظهر من الجلد, وبزيارة مستشار ألماني نصح بسفري إلي ألمانيا فورا للعلاج في مستشفي كلينك هولد هاوزن, ومكثت فيه5 أشهر أجريت خلالها7 عمليات جراحية مختلفة, وأثناء وجودي بالمستشفي قاموا بتغيير الشق الحنجري البلاستسك إلي شق معدني كي استطيع الكلام, وبعدها زارني في المستشفي طبيب ألماني, وعندما شاهدني قال لي أنت المفروض ميت الآن ولكن رعاية والدتك الطبيبة لك ستجعلك تعيش4 أسابيع فقط, وبعدها عدت إلي مصر في أواخر فبراير2005, ودخلت مستشفي الجلاء العسكري بالمطار لمتابعة العلاج لمدة3 أشهر, ثم رجعت إلي البيت.
ويسترسل مانو: بعد عودتي إلي المنزل كنت أمام أمرين لا ثالث لهما, أما الاستسلام للموت, أو البحث عن أهم الإمكانات الخفية في جسمي واستخدامها وتوظيفها لأعيش حياة أفضل, فهداني ربي إلي شراء جهاز حاسب لاب توب ليناسب حالتي حيث لا يتحرك أي جزء في جسمي كله- وهداني ربي أيضا إلي فكرة تفصيل ترابيزة خاصة لأضع عليها الحاسب وتكون أعلي السرير وملائمة لوضعي النائم, وقمت بعد ذلك بشراء برنامج صوتي لكي أتعامل من خلاله مع الحاسب,(DragonNaturallySpeaking) يستطيع هذا البرنامج تحريك الماوس والكيبورد ببصمة الصوت, وظللت3 أشهر كاملة لكي أقوم بتدريب البرنامج علي بصمة صوتي, والحمد لله تمكنت من ذلك,
والآن عند تعاملي مع الحاسب لا أحتاج من أي شخص غير تشغيل الجهاز ووضع النظارة علي عيني ووضع السماعة والمايك الملحق بها في إذني, وبعدها أقوم أنا بتشغيل البرنامج والتعامل مع جميع برامج الحاسب وشبكة الإنترنت والرد علي التليفون ومحادثة الأصدقاء.
ويستمر مانو في كلامه قائلا: عندما بدأ تعاملي مع الحاسب يصل لمرحلة الاحترافية, قمت بالاتصال بالجامعة الأمريكية, وعرضت عليهم الرجوع لتكملة تعليمي, فقالوا لي مستحيل فإن ظروفك الصحية لا تسمح بذلك نهائيا, ولكن يمكنك الاستمرار في التعليم من خلال البوابة الإلكترونية للجامعة, وتحصل منها علي شهادات عن بعد, فقمت بالتواصل مع البوابة الإلكترونية, وأخبروني بأن الدراسة بها لمثل حالتي تكون في تخصصات نظرية فقط, ولا مجال لدراسة الهندسة بها,
فاخترت دراسة إدارة الأعمال, وحصلت علي دبلومة عن طريق بصمة الصوت بعد4 أشهر فقط, ولكن هذه الشهادة لم ترو ظمأي العلمي,
فأخذت أبحث عن مجالات تعليم أخري عبر الإنترنت, حتي توصلت إلي جامعة فينيكس في ولاية أريزونا الأمريكية, وقمت بتحويل ملفي بالكامل من الجامعة الأمريكية بالقاهرة إلي هذه الجامعة,
والتحقت بشهادة إدارة الأعمال, وظللت أدرس فيها من2006 حتي2008 عن طريق شبكة الإنترنت, وكانت المحاضرات تبدأ من الساعة4 فجرا نظرا لاختلاف التوقيت بيننا وبين أمريكا, مما كان يستلزم مني الاستيقاظ في هذا التوقيت, وكانت جميع الكتب والبحوث والامتحانات عبر الإنترنت بصيغةpdf وحصلت منها علي شهادة في إدارة الأعمال بامتياز عن طريق بصمة الصوت,
وبدءا من عام2008 وحتي الآن أعمل مترجما من العربية إلي الإنجليزية في إحدي القنوات الفضائية, وأمارس عملي عن طريق البريد الإلكتروني, حيث ترسل لي المادة وأقوم بترجمتها عن طريق بصمة الصوت ثم أرسلها عبر البريد الإلكتروني بنفس الطريقة, وفي عام2009 وجدت لدي وقت فراغ فالتحقت بجامعة فينيكس مرة أخري لدراسة بكالوريوس العلوم في مجال الإدارة وباق لي ثلاث دورات كورسات علي التخرج, وأقوم بالدراسة عن طريق بصمة الصوت مثل سابقتها.
ويكمل مانو: أخرج من المنزل قليلا جدا, مستخدما الكرسي المتحرك المجهز طبيا, وأحضر اجتماعات شباب كثيرة أتحدث فيها عن كيفية تفعيل الإرادة لدي كل منا, وعن قوة التحدي الكامنة في أعماق كل إنسان, وأخبرهم عن تجربتي وكيف انتصرت علي اليأس والإحباط القاتلين, وأحث الشباب السليم قبل المعاق علي عدم الاستسلام لأي إعاقة تواجهنا في الحياة.
ويختتم مانو حديثة قائلا: أود أن أتوجه بأسمي آيات الشكر إلي والدتي التي كانت بالنسبة لي ملاك الرحمة سواء قبل الحادث أو بعده, لأن راحتها كانت تأتي بعد راحتي, ولم يغمض لها جفن وأنا في حالة صحية غير مستقرة خلال الـ9 سنوات و6 أشهر الماضية, وبذلت كل الجهد لكي أظل علي قيد الحياة بعد إرادة ربنا, وسهرت بجواري طوال الليل عاما ونصف عام كانت تنام علي كرسي في المستشفي, وهذا أعظم دليل علي التضحية من أجلي أما والدي فأنا بالنسبة له كل شيء, ولم يدخر جهدا في توفير الراحة لي طوال مشوار علاجي وحتي الآن, فهو يمثل مصدر القوة لي من خلال تلبية جميع احتياجاتي.
أما حلمه في الحياة فهو: تغيير العالم- كل العالم- إلي الأفضل, وأن يسعي كل إنسان لتغيير نفسه ومساعدة كل منا الآخر بصرف النظر عن دينه أو لونه أو بلده أو جنسيته, ففي النهاية كلنا إنسان.