مريم العذراء في ثيؤطوكية يوم الأحد ~

هي من أجمل وأروع الثيؤطوكيات وأكبرها من حيث عدد القِطع التي نُسبِّح بها، وتربط هذه الثيؤطوكية ربطًا محكمًا بين أجزاء خيمة الاجتماع وبين القديسة مريم.
القطعة الأولى (قُدس الأقداس) تتكلّم عن أن العذراء مريم هي "قُدس الأقداس"، الموضع الذي يحِّل فيه الله. وقُدس الأقداس يُسمى "القبة الثانية" أو "المسكن الثاني"، وكان منفصلاً عن بقية الخيمة، رمزًا للعذراء التي اختارها الله وقدَّسها بحلول الروح القدس عليها، وأفرزها من وسط الناس لتكون قُدسًا مُقدَّسًا له. وعدم دخول أي أحد إلى قُدس الأقداس - إلاَّ رئيس الكهنة مرة واحدة في السنة - يرمز هنا إلى دوام بتولية العذراء مريم، وأنه لم يدخل أحشاءها إلاَّ رئيس الكهنة الحقيقي ربنا يسوع المسيح مرة واحدة. دخل وخرج والباب مغلق، مثل باب حزقيال الذي رآه في المشرق.وتشرح هذه القطعة لماذا تُوصف العذراء بأنها قُدس الأقداس ففي قُدس الأقداس يوجد لوحا العهد اللذان هما كلام الله المنقوش على حجارة، أما في بطن العذراء فوُجد ربنا يسوع المسيح كلمة الله الأزلي. ولاحظ الآباء أن عدد الوصايا كان عشرة وصايا، وهذا الرقم يُكتب بالقبطية واليونانية على شكل حرف (يوطا)، الذي هو أول حرف في اسم الرب يسوع (ايسوس) لذلك قيل في الثيؤطوكية عن الوصايا العشر: "سَبَقَت أن دلتنا على (اليوطة) اسم الخلاص الذي لربنا يسوع المسيح". "هذا الذي تجسد منكِ بغير تغيير، وصار وسيطًا لعهد جديد". وفي قُدس الأقداس يدخل رئيس الكهنة، ويرش من دم الذبيحة على تابوت العهد من أجل غفران خطايا الشعب، ولذلك تربط الثيؤطوكية بين هذا الدم ودم السيد المسيح فتقول: "من قِبَل رش دمه المُقدَّس طَهّرَ المؤمنين به شعبًا مُبررًا".
القطعة الثانية (تابوت العهد) تربط هذه القطعة بين التابوت المُصفح بالذهب والعذراء المتسربلة بمجد اللاهوت. فالذهب لم يتحد بالخشب، بل كان الخشب مغلفًا فقط بالذهب، وكذلك لم يتحد اللاهوت بشخص العذراء مريم، ولكنه مسحها بمسحة من القداسة والموهبة الإلهية لتصير أم الله. أما خشب التابوت فكان من النوع الذي لا يسّوس، وهذا إشارة إلى المعدن الطاهر النقي لأم النور القديسة مريم. أما الذهب النقي المختار فهو ربنا يسوع "الذي صار إنسانًا بغير افتراق". وتشرح هذه القطعة اتحاد الطبيعتين في شخص ربنا يسوع المسيح قائلة: "واحد من اثنين، لاهوت قدّوس بغير فساد، مساو للآب". "وناسوت طاهر بغير زواج مساوٍ لنا كالتدبير". "هذا الذي أخذه منكِ أيتها الغير الدنسة واتحد به كأقنوم". أما من جهة العذراء القديسة مريم، فتشرح الثيؤطوكية قائلة: "وأنتِ أيضًا يا مريم العذراء مُتسربلة بمجد اللاهوت من داخل ومن خارج". "لأنكِ قدّمتِ شعبًا كثيرًا لله ابنك من قِبَل طهارتك".
القطعة الثالثة (غطاء التابوت) يشير غطاء التابوت المصنوع من الذهب الخالص إلى الله الكلمة، حيث كان الله يتكلّم مع شعبه من فوق هذا الغطاء. وكلمة غطاء هي بالإنجليزية (Cover)، وتشير إلى كفارة المسيح التي غطّى بها ديون خطايانا. أما الكاروبيمان المظللان على الغطاء فهما، بحسب تفسير الثيؤطوكية، يشيران إلى قوة العلي التي ظللت القديسة مريم "قُوَّةُ العَليِّ تُظَللكِ" (لو35:1). "الغطاء المُظلل عليه بالكاروبين المصورين". "أي الله الكلمة الذي تجسَّد منكِ أيتها التي بلا عيب بغير تغيير". "وصار تطهيرًا لخطايانا وغافرًا لآثامنا". "وأنتِ أيضًا يا مريم ألوف ألوف وربوات ربوات يظللون عليكِ". "مُسبِّحين خالقهم وهو في بطنك هذا الذي أخذ شبهنا ما خلا الخطية والتغيير".
القطعة الرابعة (قسط الذهب) يشير قسط الذهب النقي، والمَن المُخفى فيه، إلى العذراء الطاهرة التي حَمَلت داخلها المَن الحقيقي ربنا يسوع المسيح الإله المُتجسِّد، الذي أعطانا جسده الطاهر لنأكله كمثل المَن الذي نزل من السماء. وهذا ما شرحه السيد المسيح نفسه حينما قال: "أنا هو خُبزُ الحياةِ. آباؤُكُمْ أكلوا المَنَّ في البَريَّةِ وماتوا. هذا هو الخُبزُ النّازِلُ مِنَ السماءِ، لكَيْ يأكُلَ مِنهُ الإنسانُ ولا يَموتَ. أنا هو الخُبزُ الحَيُّ الذي نَزَلَ مِنَ السماءِ. إنْ أكلَ أحَدٌ مِنْ هذا الخُبزِ يَحيا إلَى الأبدِ. والخُبزُ الذي أنا أُعطي هو جَسَدي الذي أبذِلُهُ مِنْ أجلِ حياةِ العالَمِ" (يو48:6-51). وقد قال القديس أثناسيوس الرسولي: "القسط الذهب الذي يحوي المَن الحقيقي فيه، الذي هو جسد الابن حيث اللاهوت مُخفى فيه". وقيل هذا الشرح بوضوح في الثيؤطوكية: "أنتِ هي قسط الذهب النقي المُخفى المَن في وسطه". "خبز الحياة الذي نزل لنا من السماء وأعطى الحياة للعالم". "يليق بكِ أن يُدعى اسمكِ قسط الذهب المخفى فيه المَن". "فذاك (القسط القديم) وُضع في القبة شهادة (تذكار) لبني إسرائيل". "من أجل الخيرات التي صنعها معهم الرب الإله في برية سيناء". "وأنتِ أيضًا يا مريم حَملتِ في بطنك المَن العقلي الذي أتى من الآب". "وولدته بغير دنس، وأعطانا جسده ودمه الكريمين فحيينا إلى الأبد".
القطعة الخامسة (المنارة الذهبية) تشير هذه القطعة من الثيؤطوكية إلى المنارة الذهبية الحاملة المصباح كل حين، كرمز للقديسة العذراء مريم التي حَمَلَت المسيح نور العالم الحقيقي. "أنتِ هي المنارة الذهب النقي الحاملة المصباح المُتقد كل حين". "الذي هو نور العالم غير المقترب إليه، الذي من النور (الآب) غير المُدنى منه". (المسيح مولود من الآب نور من نور). "الإله الحق من الإله الحق، الذي تجسَّد منكِ بغير تغيير". "بظهوره أضاء علينا نحن الجلوس في الظلمة وظلال الموت". "والذي في بطنكِ يا مريم العذراء أضاء لكل إنسان آت إلى العالم". "لأنه هو شمس البر. ولدتِه وشفانا من خطايانا".
القطعة السادسة (المجمرة الذهب) تشير إلى المجمرة الذهب حاملة جمر النار، وتفسيرها أنها رمز للعذراء التي حَمَلَت داخلها نار اللاهوت ولم تحترق. "أنتِ هي المجمرة الذهب النقي حاملة جمر النار المباركة". "الذي يُؤخذ من على المذبح يُطهر الخطايا ويمحو الآثام". "أي الله الكلمة الذي تجسَّد منكِ ورفع ذاته بخورًا إلى الله أبيه". "وأنتِ أيضًا