حبيب المسيح والراهب الذي لم يرى جسده فسادًا.. حكاية لا تُنسى

"شال المسيح على كتفه".. الكنيسة القبطية تحتفل اليوم بعيد نياحة القديس الأنبا بيشوي – جسده لا يرى فسادًا حتى الآن

الأنبا بيشوي يحتفل
الأنبا بيشوي يحتفل به الأقباط اليوم

تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، اليوم الثلاثاء، بعيد نياحة الأنبا بيشوي، أحد أعمدة الرهبنة في برية شيهيت، الذي لُقب بـ"حبيب المسيح"، والذي لا يزال جسده محفوظًا حتى الآن في ديره بوادي النطرون دون أن يرى فسادًا، بحسب ما تؤكده مصادر الكنيسة وسير القديسين في السنكسار.

نشأة القديس الأنبا بيشوي وبداية طريق الرهبنة

وُلد الأنبا بيشوي عام 320 ميلاديًا بقرية شنشا التابعة لمحافظة المنوفية، وسط ستة من الإخوة، ونشأ في بيت تقي تحت رعاية والدته التي قدّمت أحد أبنائها للرب استجابةً لطلب ملاك ظهر لها في رؤيا.

ورغم ضعف بنيته الجسدية، إلا أن الملاك اختاره بنفسه، وقال كلمته الشهيرة: "إن قوة الرب في الضعف تكمل"، فكان هذا الصبي هو القديس الأنبا بيشوي، الذي توجه في العشرين من عمره إلى برية شيهيت، ليبدأ رحلته الرهبانية على يد القديس الأنبا بموا.

حياة القداسة.. صوم وصلاة وحب للإنجيل

عاش الأنبا بيشوي حياة نسكية صارمة، عكف فيها على الصلاة المتواصلة، حتى أنه صنع لنفسه أداة توقظه من النوم ربطها في شعره، كي لا تغلبه الغفلة عن صلاته. وكان يصوم طوال الأسبوع ولا يأكل سوى يوم السبت، ويقضي باقي الأيام في تأملات وحفظ أسفار الكتاب المقدس.

ورغم شدة صومه وزهده، لم يتخلّ عن مبدأ العمل اليدوي، وكان يرى أن الراهب الحقيقي لا يعيش على العطايا، بل يعمل ليأكل، ورفض استقبال الأموال التي حاول أحد الأغنياء تقديمها له، وطلب منه توزيعها على الفقراء.

ظهور المسيح له وحمل الرب على كتفه

أعظم المواقف التي خلدها التاريخ الكنسي عن الأنبا بيشوي، هي الواقعة التي ظهر فيها له السيد المسيح شخصيًا على هيئة شيخ مريض على الطريق. حين تجاهله باقي الرهبان، حمله بيشوي على كتفه بمحبة خالصة، وبينما يسير به شعر أن جسده يثقل، ليكتشف أن الذي يحمله هو المسيح نفسه، الذي قال له: "لأنك حملتني يا حبيبي بيشوي، فإن جسدك لا يرى فسادًا".

ومنذ ذلك الحين صار يُعرف بـ"حامل المسيح"، وأحد أعظم شفعاء الرهبنة في الكنيسة القبطية.

جسد لم ير فسادًا حتى اليوم

عقب نياحته عام 417 ميلاديًا عن عمر ناهز 97 عامًا، دُفن الأنبا بيشوي أولًا بجوار أنصنا، ثم نُقل جسده لاحقًا إلى ديره في وادي النطرون. وحتى اليوم، يُزار جسده الطاهر الذي لم يتحلل، وهو أحد أبرز معجزات الكنيسة القبطية، ويؤكد زواره أن رائحة طيبة تفوح منه باستمرار.

دير الأنبا بيشوي.. شاهد على الرهبنة والتاريخ

يُعد دير الأنبا بيشوي في وادي النطرون من أكبر وأقدم الأديرة القبطية في مصر، وموطنًا لجسد القديس، ويضم العديد من الكنائس والمغارات الأثرية، ومزارًا لآلاف الزوار سنويًا.

نصيحة روحية من حياة الأنبا بيشوي

تعلم من الأنبا بيشوي أن المحبة الحقيقية لا تُقاس بالقوة الجسدية، بل بالنية الصافية والاتضاع. فقد حمل المسيح على كتفه لا لأنه الأقوى، بل لأنه الأحن. ومحبته في الصمت والصلاة جعلته يرى المسيح أكثر من مرة، في وقت لم يتمكن فيه كثيرون من نوال هذه النعمة.

خلاصة القول

القديس الأنبا بيشوي هو أحد أعمدة الرهبنة القبطية، الذي قدّم نموذجًا نادرًا في الطاعة والمحبة والزهد. لا تزال الكنيسة تحتفل بنياحته حتى يومنا هذا، ويستمر جسده في تقديم شهادة حية على وعود المسيح الأمينة: "لأنك حملتني، فإن جسدك لا يرى فسادًا".

          
تم نسخ الرابط